كتاب مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (اسم الجزء: 2)

وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ تَحْرُمُ، وَقِيلَ تُبَاحُ، وَيُسَلِّمُ الزَّائِرُ وَيَقْرَأُ وَيَدْعُو.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُفَّارِ فَزِيَارَتُهَا مُبَاحَةٌ، وَإِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِحُرْمَتِهَا (وَتُكْرَهُ) زِيَارَتُهَا (لِلنِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ لِمَا فِيهِنَّ مِنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ وَكَثْرَةِ الْجَزَعِ وَقِلَّةِ احْتِمَالِ الْمَصَائِبِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ بِامْرَأَةٍ عَلَى قَبْرٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرِي» (1) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَلَوْ كَانَتْ الزِّيَارَةُ حَرَامًا لَنَهَى عَنْهَا، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ يَعْنِي إذَا زُرْتُ الْقُبُورَ، قَالَ: قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَقِيلَ تَحْرُمُ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» وَلَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ (وَقِيلَ تُبَاحُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْإِحْيَاءِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ إذَا أُمِنَ الِافْتِتَانُ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَالْخَبَرِ فِيمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا بُكَاءٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَمَحَلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي غَيْرِ زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.
أَمَّا زِيَارَتُهُ فَمِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَأَلْحَقَ الدَّمَنْهُورِيُّ بِهِ قُبُورَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَهُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ زِيَارَةُ قَبْرِ أَبَوَيْهَا وَإِخْوَتِهَا وَسَائِرِ أَقَارِبِهَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِالصِّلَةِ مِنْ الصَّالِحِينَ اهـ.
وَالْأَوْلَى عَدَمُ إلْحَاقِهِمْ بِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الْكَرَاهَةِ (وَيُسَلِّمُ نَدْبًا) (الزَّائِرُ) لِلْقُبُورِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَهُ قَائِلًا مَا عَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ إذَا خَرَجُوا لِلْمَقَابِرِ «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» (3) ، أَوْ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» كَمَا رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
زَادَ أَبُو دَاوُد «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْتِ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ، أَوْ عَلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ إنْ بِمَعْنَى إذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] وَقَوْلُهُ دَارَ: أَيْ أَهْلَ دَارِ، وَنَصْبُهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوْ النِّدَاءِ، وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي: لَا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْخِطَابِ؛ بَلْ يَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ شَخْصًا قَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى» .
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ عَادَةِ الْعَرَبِ لَا تَعْلِيمٌ لَهُمْ (وَيَقْرَأُ) عِنْدَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ، وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْمَقَابِرِ فَإِنَّ الثَّوَابَ لِلْحَاضِرِينَ وَالْمَيِّتُ كَحَاضِرٍ يُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ، وَفِي ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ كَلَامٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَصَايَا (وَيَدْعُو) لَهُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَعِنْدَ الدُّعَاءِ

الصفحة 57