كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 2)
كِتَابُ الزَّكَاةِ)
هِيَ لُغَةً: التَّطْهِيرُ وَالنَّمَاءُ وَغَيْرُهُمَا. وَشَرْعًا: اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَوْلِهِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103]
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الزَّكَاةِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (كِتَابُ الزَّكَاةِ)
أَصْلُهَا زَكَوَةٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ قُلِبَتْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا وَفُرِضَتْ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ مَعَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقِيلَ: قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ فُرِضَتْ فِي شَوَّالٍ مِنْ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَزَكَاةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ قِيلَ وَهِيَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 31] .
وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُ الزَّكَاةِ الْمَعْرُوفَةِ كَالتَّطْهِيرِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَنَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي خَصَائِصِهِ الصُّغْرَى أَنَّ الشَّيْخَ تَاجَ الدِّينِ بْنَ عَطَاءِ اللَّهِ السَّكَنْدَرِيَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ التَّنْوِيرِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ مَعَ اللَّهِ إنَّمَا كَانُوا يَشْهَدُونَ أَنَّ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ وَدَائِعِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ يَبْذُلُونَهَا فِي أَوَانِ بَذْلِهَا وَيَمْنَعُونَهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا هِيَ طُهْرَةٌ لِمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَالْأَنْبِيَاءُ مُبَرَّءُونَ مِنْ الدَّنَسِ لِعِصْمَتِهِمْ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْخَصَائِصِ الْمَذْكُورَةِ: وَهَذَا كَمَا تَرَى مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ إمَامِهِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خِلَافُهُ. وَنَقَلَ شَيْخُنَا ع ش كَشَيْخِنَا س ل عَنْ الشِّهَابِ م ر أَنَّهُ أَفْتَى بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ اط ف وَقَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْهَا مُرَاعَاةً لِلْحَدِيثِ النَّاظِرِ إلَى كَثْرَةِ أَفْرَادِ مَنْ تَلْزَمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ، وَهِيَ إمَّا اسْمٌ لِلْإِخْرَاجِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى التَّزْكِيَةِ، أَوْ الْمَالِ الْمُخْرَجِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْمُزَكَّى شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: التَّطْهِيرُ) أَيْ لِأَنَّهَا تُطَهِّرُ الْمُخْرِجَ عَنْ الْإِثْمِ وَالْمُخْرَجَ عَنْهُ عَنْ تَدَنُّسِهِ بِحَقِّ الْمُسْتَحَقِّينَ وَتُصْلِحُهُ وَتُنَمِّيهِ وَتَقِيهِ مِنْ الْآفَاتِ. شَرْحُ م ر قَالَ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ طَهَّرَهَا. (قَوْلُهُ: وَالنَّمَاءُ) بِالْمَدِّ أَيْ التَّنْمِيَةُ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا وَزَادَ وَزَكَتْ النَّفَقَةُ إذَا بُورِكَ فِيهَا وَفُلَانٌ زَاكٍ أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ وَأَمَّا النَّمَا بِالْقَصْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِلنَّمْلِ الصَّغِيرِ بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) كَالْإِصْلَاحِ وَالْمَدْحِ قَالَ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] أَيْ لَا تَمْدَحُوهَا (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] الْأَصَحُّ أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهَا لَا عَامَّةً وَلَا مُطْلَقَةً وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الْآيَةُ ز ي قَالَ حَجّ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ آيَةُ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْأَظْهَرَ فِيهَا مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ أَنَّهَا عَامَّةٌ مَخْصُوصَةٌ مَعَ اسْتِوَاءِ كُلٍّ مِنْ الْآيَتَيْنِ لَفْظًا فَتَرْجِيحُ عُمُومِ تِلْكَ وَإِجْمَالُ هَذِهِ دَقِيقٌ.
الصفحة 2
447