كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 2)

بَعْدَ حَوْلٍ رُبْعُ عُشْرٍ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ» وَخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي خَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي زَكَاةِ الْحَيَوَانِ «وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» وَالرِّقَةُ وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ وَالْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَاعْتِبَارُ الْحَوْلِ وَوَزْنُ مَكَّةَ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ.
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ كَالْمَاشِيَةِ فِي السَّائِمَةِ وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ أَنَّ نِصَابَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَنِصَابَ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِضَّةً وَأَنَّهُ لَا وَقَصَ فِي ذَلِكَ كَالْمُعَشَّرَاتِ لِإِمْكَانِ التَّجَزُّؤِ بِلَا ضَرَرٍ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ وَأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَإِنْ ثَمَّ فِي بَعْضِ الْمَوَازِينِ وَلَا فِي مَغْشُوشٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا فَيُخْرِجَ زَكَاتَهُ خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا خَالِصُهُ قَدْرُهَا لَكِنْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُ الْخَالِصِ حِفْظًا لِلنُّحَاسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَضْرُوبُ مِنْ الذَّهَبِ دِينَارًا وَمِنْ الْفِضَّةِ دِرْهَمًا، لِأَنَّ الدِّينَارَ آخِرُهُ نَارٌ وَالدِّرْهَمَ آخِرُهُ هَمٌّ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقَالَ:
النَّارُ آخِرُ دِينَارٍ نَطَقْتَ بِهِ ... وَالْهَمُّ آخِرُ هَذَا الدِّرْهَمِ الْجَارِي
وَالْمَرْءُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ وَرِعًا ... مُعَذَّبُ الْقَلْبِ بَيْنَ الْهَمِّ وَالنَّارِ
(قَوْلُهُ: بَعْدَ حَوْلٍ) نَعَمْ لَوْ مَلَكَ نِصَابًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقْرَضَهُ إنْسَانًا لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ كَانَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَع ش عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ الْوَاجِبُ هُنَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ بِخِلَافِهِ فِي الثَّمَرِ وَالْحَبِّ لَا يَجِبُ فِيهِمَا ثَانِيًا حَيْثُ لَمْ يَنْوِ بِهِمَا تِجَارَةً، لِأَنَّ النَّقْدَ نَامٍ بِنَفْسِهِ وَمُتَهَيِّئٌ لِلِانْتِفَاعِ وَالشِّرَاءِ بِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ ذَيْنَك أَيْ فَإِنَّهُمَا مُنْقَطِعَانِ عَنْ النَّمَاءِ وَمُعَرَّضَانِ لِلْفَسَادِ اهـ. حَجّ وَسَمِّ (قَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرٍ) وَهُوَ نِصْفُ مِثْقَالٍ فَيَدْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ مِثْقَالًا كَامِلًا إنْ لَمْ يُوجَدْ نِصْفُهُ وَيَصِيرُ شَرِيكًا لَهُمْ فِيهِ ثُمَّ يَبِيعُونَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَقْتَسِمُونَ ثَمَنَهُ أَوْ يَبِيعُهُمْ الْمُزَكِّي النِّصْفَ الَّذِي لَهُ أَوْ يَشْتَرِي نِصْفَهُمْ مِنْهُمْ وَإِنْ كُرِهَ لِلشَّخْصِ شِرَاءُ صَدَقَتِهِ وَلَوْ مَنْدُوبَةً إلَّا لِضَرُورَةٍ وَحِصَّتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَمَانَةٌ مَعَهُمْ وَلَا يَكْفِي إعْطَاؤُهُمْ ثَمَنَ حِصَّتِهِمْ ابْتِدَاءً اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد) هَذَا دَلِيلٌ لِوُجُوبِهَا فِي الذَّهَبِ وَمَا بَعْدَهُ لِوُجُوبِهَا فِي الْفِضَّةِ (قَوْلُهُ: أَوَاقٍ) بِالْقَصْرِ كَجِوَارٍ وَمَدُّهُ غَلَطٌ اهـ. ح ف (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَرِقِ) فِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ الْوَاوِ مَعَ إسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحُ الْوَاوِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ) هَذَا مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْهَمْ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ إلَخْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْخَمْسِ رُبْعُ الْعُشْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَفِيهِ أَنَّ الرِّقَةَ مُطْلَقَةٌ لَمْ تُقَيَّدْ بِخَمْسِ أَوَاقٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا قُيِّدَتْ بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْوَاوِ) لِأَنَّ أَصْلَهَا وَرِقٌ (قَوْلُهُ: وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ) وَمُقَابِلُهُ تَخْفِيفُ الْيَاءِ ع ش (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ الْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي النَّقْدَيْنِ لَكِنْ فِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ نَوْعُ خَفَاءٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَالنَّقْدَانِ مِنْ أَشْرَفِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إذْ بِهِمَا قِوَامُ الدُّنْيَا وَنِظَامُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ، لِأَنَّ حَاجَاتِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا تُقْضَى بِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خُلِقَا لَهَا كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ (قَوْلُهُ: مُعَدَّانِ) أَيْ مُهَيَّئَانِ بِحَسَبِ خَلْقِ اللَّهِ لَهُمَا (قَوْلُهُ: كَالْمَاشِيَةِ فِي السَّائِمَةِ) أَيْ فِي كَوْنِهَا مُعَدَّةً لِلنَّمَاءِ وَإِنْ كَانَ النُّمُوُّ مُخْتَلِفًا فَنُمُوُّ الْمَاشِيَةِ مِنْ جِهَةِ السِّمَنِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَنُمُوُّ النَّقْدِ مِنْ جِهَةِ رِبْحِ التِّجَارَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالسَّائِمَةِ فِي الْمَاشِيَةِ أَوْ إسْقَاطُ فِي كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَكَمَا أَسْقَطَهَا فِي الْعَامِلَةِ فِيمَا سَيَأْتِي وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ.
وَقَوْلُهُ: وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ أَيْ مِنْ الْأَحَادِيثِ اط ف أَوْ مِنْ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا وَقَصَ فِي ذَلِكَ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ نِصَابٍ) هَذَا عُلِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعِشْرِينِ وَالْمِائَتَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ فِي الْأُصُولِ وَهَذَا لَا يَرِدُ إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ عُلِمَ مِنْ الْمَتْنِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ فِي أَقَلَّ إلَخْ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ إلَخْ لَمْ يَرِدْ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَمَّ فِي بَعْضِ الْمَوَازِينِ وَجْهٌ عُلِمَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَتَيْنِ الْيَقِينُ (قَوْلُهُ: وَلَا فِي مَغْشُوشٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ ضَرَبَ مَغْشُوشَةً عَلَى سِكَّةِ الْإِمَامِ وَغَشَّهَا أَزْيَدَ مِنْ غِشِّ ضَرْبِهِ حَرُمَ فِيمَا يَظْهَرُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّدْلِيسِ بِإِيهَامِ أَنَّهُ مِثْلُ مَضْرُوبَةٍ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ خَالِصَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَغْشُوشًا خَالِصُهُ قَدْرُهَا) وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ حِينَئِذٍ إنَّمَا أَعْطَى الزَّكَاةَ خَالِصًا مِنْ خَالِصٍ، وَالنُّحَاسُ وَقَعَ تَطَوُّعًا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: حِفْظًا لِلنُّحَاسِ) أَيْ لِعَدَمِ جَوَازِ تَبَرُّعِهِ بِهِ وَقَيَّدَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِمَا إذَا كَانَتْ مُؤْنَةُ السَّكِّ تَنْقُصُ

الصفحة 28