كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 2)

«فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَخَبَرُ «أَبِي سَعِيدٍ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْت أُخْرِجُهُ مَا عِشْت» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ

(تَجِبُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ (بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ وَآخِرِ مَا قَبْلَهُ) أَيْ بِإِدْرَاكِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي وَأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ لِإِضَافَتِهَا إلَى الْفِطْرِ فِي الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ (عَلَى حُرٍّ وَمُبَعَّضٍ بِقِسْطِهِ) مِنْ الْحُرِّيَّةِ بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (حَيْثُ لَا مُهَايَأَةَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِ بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةٌ اخْتَصَّتْ الْفِطْرَةُ بِمَنْ وَقَعَ زَمَنَ وُجُوبِهَا فِي نَوْبَتِهِ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQصَرِيحٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا لِغَيْرِ ابْنِ اللَّبَّانِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ فَلَا يَنْخَرِقُ بِهِ الْإِجْمَاعُ أَوْ يُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَزَكَاةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلْبَدَنِ وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ «إنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» وَالْخَبَرُ الْحَسَنُ الْغَرِيبُ «صَوْمُ رَمَضَانَ مُتَعَلِّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُرْفَعُ إلَّا بِزَكَاةِ الْفِطْرِ» وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ تَوَقُّفِ تَرَتُّبِ ثَوَابِهِ الْعَظِيمِ عَلَى إخْرَاجِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا الْمُخَاطَبِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُنَافِي حُصُولَ أَصْلِ الثَّوَابِ وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي تَوَقُّفِ الثَّوَابِ عَلَى إخْرَاجِهِ زَكَاةَ مُمَوِّنِهِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّوَقُّفُ عَلَى إخْرَاجِهَا، وَوُجُوبُهَا عَلَى الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ فِيهِ تَطْهِيرًا لَهُ أَيْضًا وَلَا يُعَلَّقُ صَوْمُ الْمُمَوِّنِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ تُؤَدَّ عَنْهُ الْفِطْرَةُ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَبِرْمَاوِيٌّ وَقَرَّرَهُ ح ف (قَوْلُهُ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ) أَيْ أَظْهَرَ فَرْضِيَّتَهَا أَوْ قَدَّرَهَا أَوْ أَوْجَبَهَا بِأَنْ فَوَّضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْوُجُوبَ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى النَّاسِ أَيْ وَلَوْ كُفَّارًا إذْ هَذَا هُوَ الْمُخْرِجُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْمُوسِرِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ بِمَعْنَى عَنْ إذْ هَذَا هُوَ الْمُخْرَجُ عَنْهُ فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُقَيِّدْ مَا قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى فَرَضَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُؤَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ إلَخْ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ بَدَلًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُصُورِ إذْ لَا يُفِيدُ وُجُوبَهَا عَلَى الْكَافِرِ.
(قَوْلُهُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا أَوْ حَالًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهِمَا اللَّذَيْنِ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي زَمَنِهِ إذْ ذَاكَ. (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ) عَلَى هُنَا بِمَعْنَى عَنْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ
إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ
أَيْ عَنِّي، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» فَأَثْبَتَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى سَيِّدِهِ. اهـ وَعَدَمُ تَأْوِيلِ عَلَى أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّهَا تَجِبُ أَوَّلًا عَلَى الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَإِنْ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ غَيْرُهُ م ر عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ) أَخَّرَهُ عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ عُمُومِهِ لِلتَّمْرِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا عَلَى الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَامِّ تَأَخُّرُهُ عَنْ الْخَاصِّ لِتَتِمَّ بِهِ الْفَائِدَةُ (قَوْلُهُ: كُنَّا نُخْرِجُ) أَيْ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسْتَدَلُّ بِهِ لِلْوُجُوبِ ع ش (قَوْلُهُ: إذْ كَانَ فِينَا) أَيْ وَقْتَ كَانَ فِينَا (قَوْلُهُ: مِنْ طَعَامٍ) أَيْ بُرٍّ، لِأَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْبُرُّ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَقِطَ مَوْزُونٌ لَا مَكِيلٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَمَدَ الْأَقِطُ وَصَارَ قِطَعًا صِغَارًا كَالْحِمَّصِ مَثَلًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مَكِيلٌ كَمَا قَرَّرَهُ ح ل

(قَوْلُهُ: وَآخِرِ مَا قَبْلَهُ) هَذَا بَيَانٌ لِأَقَلِّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ السَّبَبُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ أَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ رَمَضَانُ الصَّادِقُ بِكُلِّهِ وَبِبَعْضِهِ ع ش وَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ، لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَحَقَّقُ بِهِ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْخَارِجِيِّ (قَوْلُهُ: لِإِضَافَتِهَا إلَى الْفِطْرِ) دَلِيلٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ تَجِبُ بِأَوَّلِ لَيْلَتِهِ وَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ إدْرَاكُ الْجُزْءِ الثَّانِي إلَّا بِإِدْرَاكِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَلَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِي تَوَقُّفَ الْوُجُوبِ عَلَى إدْرَاكِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْفِطْرَ يَسْتَلْزِمُ مُفْطِرًا مِنْهُ وَهُوَ رَمَضَانُ أَيْ فَفِي الْحَدِيثِ نَصٌّ عَلَى الْجُزْأَيْنِ قَالَ ع ش: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ أَدَّى فِطْرَةَ عَبْدِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخْرِجُ فَانْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ عَلَيْهِمْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ م ر وَالْقِيَاسُ اسْتِرْدَادُ مَا أَخْرَجَهُ الْمُوَرِّثُ إنْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ وَكَمَوْتِهِ مَوْتُ الْعَبْدِ فَتُسْتَرَدُّ. (قَوْلُهُ: عَلَى حُرٍّ وَمُبَعَّضٍ) هَذَا بَيَانٌ لِلْمُخْرِجِ بِكَسْرِ الرَّاءِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ. وَقَوْلُهُ: بِقِسْطِهِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا فِطْرَةُ مَمُونِهِ فَتَجِبُ بِكَمَالِهَا كَالنَّفَقَةِ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ حَيْثُ قَالَ بِوُجُوبِ الْقِسْطِ فِي مَمُونِهِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: لَا مُهَايَأَةَ أَيْ مُنَاوَبَةَ (قَوْلُهُ: زَمَنَ وُجُوبِهَا) لَوْ كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ بِحَيْثُ وَقَعَ جُزْءٌ مِنْ رَمَضَانَ فِي نَوْبَةِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ فِي نَوْبَةِ الثَّانِي فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ عَلَى الثَّانِي وَاعْتَمَدَ م ر هُنَا الِاشْتِرَاكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ

الصفحة 43