كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 2)
(فَقَاضَ) بِنَفْسِهِ أَوْ أَمِينِهِ لِخَبَرٍ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَالْمُرَادُ قَاضِي بَلَدِ الصَّبِيِّ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِآخَرَ فَوَلِيُّ مَالِهِ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بِالنَّظَرِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحِفْظِ وَالتَّعَهُّدِ وَفِعْلِ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ كَبَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ. أَمَّا بِالنَّظَرِ لِاسْتِنْمَائِهِ فَالْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِقَاضِي بَلَدِ الصَّبِيِّ كَمَا أَوْضَحْته قُبَيْلَ كِتَابِ الْقِسْمَةِ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ عَزْو مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَاحْذَرْهُ، وَخَرَجَ بِمَنْ ذُكِرَ غَيْرُهُمْ كَالْأُمِّ وَالْأَقَارِبِ بِلَا وِصَايَةٍ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ لَكِنْ لِلْعَصَبَةِ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَسُومِحَ بِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا
(وَيَتَصَرَّفُ) لَهُ الْوَلِيُّ (بِمَصْلَحَةٍ) حَتْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] فَيَشْتَرِي لَهُ الْعَقَارَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ إذَا حَصَلَ مِنْ رِيعِهِ الْكِفَايَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنَّ لَهُ الْمَشْيُ عَلَى خِلَافِهِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ع ش (قَوْلُهُ: فَقَاضٍ) أَيْ عَدْلٍ أَمِينٍ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ قَاضٍ كَذَلِكَ فَالْوِلَايَةُ لِلْمُسْلِمِينَ أَيْ لِصُلَحَائِهِمْ وَيَكُونُ الْفَاسِقُ كَالْعَدَمِ عَلَى الْمُتَّجَهِ وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ عِنْدَهُ يَتِيمٌ أَجْنَبِيٌّ لَهُ مَالٌ وَلَوْ سَلَّمَهُ لِحَاكِمٍ خَانَ فِيهِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ لِلضَّرُورَةِ أَيْ إنْ كَانَ عَدْلًا أَمِينًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِ أَنَّهُ لَوْ وُلِّيَ عَدْلٌ أَمِينٌ وَجَبَ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ لَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ فِي زَمَنِ الْخَائِنِ عَلَى الْأَوْجَهِ ابْنُ حَجَرٍ شَوْبَرِيٌّ وم ر وَيُصَدَّقُ فِي تَصَرُّفِهِ زَمَنَ الْخَائِنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَلِيًّا شَرْعًا حَيْثُ يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ بِأَنْ ادَّعَى قَدْرًا لَائِقًا فِي الْإِنْفَاقِ ع ش (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ قَاضِي بَلَدِ الصَّبِيِّ) أَيْ وَطَنِهِ وَإِنْ سَافَرَ عَنْهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ ابْنِ حَجَرٍ س ل (قَوْلُهُ: عَلَى الْهَلَاكِ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهَلَاكِ الْأَعَمُّ مِنْ تَلَفِ الْعَيْنِ وَذَهَابِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَلَوْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ بِبَلَدِ قَاضِي الْمَالِ دُونَ بَلَدِ الصَّبِيِّ أَجَّرَهُ قَاضِي بَلَدِ مَالِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ مِنْ قَاضِي بَلَدِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَيْسَ بَلَدُ الْمَالِ مِنْهَا وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ سم عَنْ الْعُبَابِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ ع ش (قَوْلُهُ: فَالْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِقَاضِي بَلَدِ الصَّبِيِّ) وَلِقَاضِي بَلَدِ الصَّبِيِّ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِيَتَّجِرَ لَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ عَقَارًا، وَيَجِبُ عَلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ إسْعَافُهُ لِذَلِكَ ح ل.
(قَوْلُهُ: وَالْأَقَارِبِ) كَالْأَخِ وَالْعَمِّ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لِلْعَصَبَةِ) أَيْ عِنْدَ فَقْدِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ فِيمَا يَظْهَرُ وَبِالتَّقْيِيدِ بِفَقْدِ الْخَاصِّ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ أَنَّ الْوِلَايَةَ عِنْدَ فَقْدِ الْوَلِيِّ لِصُلَحَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي فَقْدِهِ مُطْلَقًا أَيْ خَاصًّا وَعَامًّا زي.
وَعِبَارَةُ س ل قَوْلُهُ: لَكِنْ لِلْعَصَبَةِ الْإِنْفَاقُ أَيْ عِنْدَ فَقْدِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْهُ بَلْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْعَصَبَةِ وَصُلَحَاءِ بَلَدِهِ بَلْ عَلَيْهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرِ تَوَلِّي سَائِرِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالْغِبْطَةِ بِأَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى مَرْضِيٍّ مِنْهُمْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ اهـ بِحُرُوفِهِ وَلَوْ حَضَرَ الْوَلِيُّ وَأَنْكَرَ أَنَّهُمْ أَنْفَقُوا عَلَيْهِ مَا أَخَذُوهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ أَنْكَرَ أَنَّ فِعْلَهُمْ كَانَ بِالْمَصْلَحَةِ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ بِمَا ادَّعَوْهُ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا) أَيْ فِي أَنَّ لِلْعَصَبَةِ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ع ش
(قَوْلُهُ: وَيَتَصَرَّفُ لَهُ الْوَلِيُّ إلَخْ) يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُنَمِّيَ مَالَهُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ أَيْ نَفَقَتِهِ وَالزَّكَاةِ وَلَوْ تَرَكَ سَقْيَ الدَّابَّةِ ضَمِنَ أَوْ تَلْقِيحَ النَّخْلِ فَلَا وَمِثْلُ التَّلْقِيحِ عِمَارَةُ الْعَقَارِ حَتَّى خَرِبَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ وَجَرَى شَيْخُنَا عَلَى أَنَّهُ كَتَرْكِ الْعَلَفِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَالتَّلْقِيحِ بِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَفُوتُ بِهِ مُجَرَّدُ جَوْدَةٍ فِي الثَّمَرَةِ شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَيَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ وُجُوبًا وَلَوْ بِالزِّرَاعَةِ حَيْثُ رَآهَا وَلِأَبٍ عَجَزَ نَصْبُ غَيْرِهِ عَنْهُ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ أَوْ رَفْعِ الْأَمْرِ لِحَاكِمٍ يَفْعَلُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَلِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْحَاكِمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ قَدْرَ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَكِفَايَتِهِ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ كِفَايَةِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْفَقِيرِ فَلَهُ تَمَامُ كِفَايَتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي أَخْذِ ذَلِكَ عَلَى حَاكِمٍ وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْحَاكِمِ الْأَخْذُ مُطْلَقًا قَالَ ع ش عَلَى م ر وَخَرَجَ بِالْوَلِيِّ غَيْرُهُ كَالْوَكِيلِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مُوَكِّلُهُ شَيْئًا عَلَى عَمَلِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا جَازَ لَهُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ أَخْذَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ مَنْ لَا يُمْكِنُ مُعَاقَدَتُهُ وَهُوَ يُفْهِمُ عَدَمَ جَوَازِ أَخْذِ الْوَكِيلِ لِإِمْكَانِ مُرَاجَعَةِ مُوَكِّلِهِ فِي تَقْدِيرِ شَيْءٍ لَهُ أَوْ عَزْلِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ.
وَمِنْهُ يُؤْخَذُ امْتِنَاعُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ اخْتِيَارِ شَخْصٍ حَاذِقٍ لِشِرَاءِ مَتَاعٍ فَيَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ لِحِذْقِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَيَأْخُذُ لِنَفْسِهِ تَمَامَ الْقِيمَةِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَفَّرَهُ لِحِذْقِهِ وَبِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ أَيْضًا زَمَنًا كَانَ يُمْكِنُهُ فِيهِ الِاكْتِسَابُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ مَا بَقِيَ لِمَالِكِهِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ إمْكَانِ مُرَاجَعَتِهِ إلَخْ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: بِمَصْلَحَةٍ) وَمِنْهَا بَيْعُ مَا وَهَبَهُ لَهُ أَصْلُهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ خَشْيَةَ رُجُوعِهِ فِيهِ وَبَيْعُ مَا خِيفَ خَرَابُهُ أَوْ هَلَاكُهُ
الصفحة 442
447