كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 2)

فَإِنْ كَانَ ثَمَّ رُطَبٌ قُدِّمَ عَلَى التَّمْرِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَجَعْلُ الْفِطْرِ مِمَّا ذُكِرَ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ زِيَادَتِي

(وَ) سُنَّ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ (تَرْكُ فُحْشٍ) كَكَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ الْأَصْلُ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»
(وَ) تَرْكُ (شَهْوَةٍ) لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ (وَ) تَرْكُ (نَحْوِ حَجْمٍ) كَفَصْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُهُ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي (وَ) تَرْكُ (ذَوْقٍ) لِطَعَامٍ، أَوْ غَيْرِهِ خَوْفَ وُصُولِهِ حَلْقَهُ وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِذَوْقِ الطَّعَامِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ (وَ) تَرْكُ (عَلْكٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ فَإِنْ بَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ

(وَ) سُنَّ (أَنْ يَغْتَسِلَ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ لَيْلًا) لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّوْمِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْجَنَابَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» وَقَضِيَّتُهُ تَثْلِيثُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ مِنْ رُطَبٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ حَرْمَلَةَ وَتَصْرِيحُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِهِ فِي الْمَاءِ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِتَمْرٍ إذْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ وَتَعْبِيرُ جَمْعٍ بِتَمْرَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا أَصْلُ السُّنَّةِ. فَإِنْ قُلْت مَا الْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ التَّمْرِ؟ قُلْت لِمَا فِي الْحُلْوِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْبَصَرِ الَّذِي يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ وَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى الْحُلْوِ مُطْلَقًا كَالْعَسَلِ وَالْحِكْمَةِ فِي جَعْلِهِ وِتْرًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ» اسْتِشْعَارًا لِلْوَحْدَانِيَّةِ وَمِنْ آدَابِ الصَّائِمِ عِنْدَ إفْطَارِهِ إذَا وَضَعَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ أَنْ لَا يَمُجَّهُ وَلَكِنْ يَشْرَبُهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ بِخُلُوفِ فَمِهِ لِقَوْلِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ إلَخْ

. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ) أَيْ لِحِفْظِ ثَوَابِهِ وَإِنْ كَانَ تَرْكُ الْفُحْشِ وَاجِبًا مُطْلَقًا شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ) أَيْ بِمُقْتَضَاهُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ كُلُّ غَيْرِ مَطْلُوبٍ فِي الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْفَظَ جَوَارِحَهُ فَلَا يَمْشِي بِرِجْلِهِ إلَى بَاطِلٍ وَلَا يَبْطِشُ بِيَدِهِ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ وَلَا يُدَاهِنُ وَلَا يَقْطَعُ الزَّمَنَ بِالْأَشْعَارِ وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي لَا طَائِلَ تَحْتَهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ق ل.
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ كِنَايَةٌ أَوْ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ نَظَرِهِ تَعَالَى لَهُ نَظَرَ الْعِنَايَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ وَالتَّفَضُّلِ بِالثَّوَابِ فَهُوَ مِنْ بَابِ نَفْيِ الْمَلْزُومِ، أَوْ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ، أَوْ الْمُسَبَّبِ وَيَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ وَكَتَبَ أَيْضًا فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ إلَخْ. فَإِنْ قُلْت هَلَّا قَالَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي صِيَامِهِ؟ قُلْت لَمَّا كَانَ قَوْلُ الزُّورِ وَنَحْوُهُ مُبْطِلًا لِثَوَابِ الصَّوْمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي صَوْمٍ فَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ كَاتِبُهُ شَوْبَرِيٌّ قَالَ شَيْخُنَا ح ف وَإِنَّمَا جَعَلَهُ كِنَايَةً، أَوْ مَجَازًا؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ قَوْلَ الزُّورِ فَلِلَّهِ حَاجَةٌ إلَخْ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلِذَا أَوَّلُوهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَدَعَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ لَمْ يَدَعْ إلَخْ أَيْ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي تَرْكِهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ أَيْ فِي صِيَامِهِ فَحُذِفَ الْجَارُّ وَالتَّقْدِيرُ فِي أَنْ يَدَعَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَشَهْوَةٍ) الشَّهْوَةُ اشْتِيَاقُ النَّفْسِ إلَى الشَّيْءِ وَالْجَمْعُ شَهَوَاتٍ وَاشْتَهَيْته فَهُوَ مُشْتَهًى اهـ مِصْبَاحٌ وَالْمُرَادُ تَرْكُ تَعَاطِي مَا اشْتَهَتْهُ النَّفْسُ وَتَرْكُ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ الشَّهْوَةِ وَإِلَّا فَالشَّهْوَةُ نَفْسُهَا الَّتِي هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إلَى الْمَطْلُوبِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا ع ش عَلَى م ر
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَشَهْوَةٍ أَيْ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلَابِسِ إذْ ذَلِكَ سِرُّ الصَّوْمِ وَمَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ لِتَنْكَسِرَ نَفْسُهُ عَنْ الْهَوَى وَتَقْوَى عَلَى التَّقْوَى بِكَفِّ جَوَارِحِهِ عَنْ تَعَاطِي مَا يَشْتَهِيه اهـ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهْوَةِ الْمُشْتَهَى بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَغَيْرِهَا، وَالْمُرَادُ بِالرَّيَاحِينِ مَا لَهَا رِيحٌ طَيِّبٌ كَالْمِسْكِ.
(قَوْلُهُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ) وَهِيَ الْكَفُّ عَنْ الشَّهَوَاتِ. (قَوْلُهُ وَتَرْكُ نَحْوِ حَجْمٍ) أَيْ مِنْ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ لَكِنَّ الْعِلَّةَ ظَاهِرَةٌ فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ وَتَرْكُ ذَوْقِ الطَّعَامِ) نَعَمْ إنْ احْتَاجَ لِمَضْغِ نَحْوِ خُبْزٍ لِطِفْلٍ لَا يُكْرَهُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَتَرْكُ عَلْكٍ) لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ جُرْمٌ وَمِنْهُ اللِّبَانُ وَقَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْفِعْلُ أَيْ الْمَضْغُ وَقَوْلُهُ: أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَإِنْ تَرَوَّحَ ذَلِكَ الرِّيقَ بِرِيحِهِ، أَوْ وَجَدَ فِيهِ طَعْمَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ح ل وَأَمَّا الْعِلْكُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ الْمَعْلُوكُ أَيْ الْمَمْضُوغُ الَّذِي كُلَّمَا مُضِغَ قَوِيَ وَصَلُبَ وَاجْتَمَعَ وَمِنْهُ الْمُومْيَا كَمَا فِي ق ل

. (قَوْلُهُ: وَسُنَّ أَنْ يَغْتَسِلَ) وَلَوْ مِنْ الِاحْتِلَامِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ غَسَلَ مَا يَخَافُ مِنْ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ كَالْأُذُنِ وَالدُّبُرِ. فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ الْعُدُولِ عَنْ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَهَلَّا أَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ مَصَادِرُ صَرِيحَةٌ؟ قُلْت حِكْمَةُ الْعُدُولِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّهُ مِنْ مَدْخُولِ التَّرْكِ وَالْغَرَضُ أَنَّهُ وَمَا بَعْدَهُ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ لَا يُقَالُ التَّوَهُّمُ مَوْجُودٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ وَسُنَّ تَرْكُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا فَالْعُدُولُ دَفَعَ تَوَهُّمَ الْبَعِيدِ فَلْيُتَأَمَّلْ كَاتِبُهُ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَيْلًا) أَيْ لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ عَلَى طَهَارَةٍ وَخَشْيَةِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الْأُذُنِ، أَوْ الدُّبُرِ أَوْ غَيْرِهِمَا شَرْحُ م ر قَالَ حَجّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ وُصُولَهُ لِذَلِكَ مُفْطِرٌ وَلَيْسَ عُمُومُهُ مُرَادًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّ سَبْقَ نَحْوِ مَاءٍ الْمَضْمَضَةِ الْمَشْرُوعَةِ، أَوْ غَسْلِ الْفَمِ النَّجِسِ

الصفحة 78