كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 2)

حَتَّى دَخَلَ آخَرُ (فَمَاتَ) (أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ) مُدٌّ لِلْفَوَاتِ وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُوجِبٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، هَذَا (إنْ لَمْ يُصَمْ عَنْهُ) وَإِلَّا وَجَبَ مُدٌّ وَاحِدٌ لِلتَّأْخِيرِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (وَالْمَصْرِفُ) أَيْ مَصْرِفُ الْأَمْدَادِ (فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ) لِأَنَّ الْمِسْكِينَ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَالْخَبَرِ وَالْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ لِوَاحِدٍ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَالْأَمْدَادُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَاتِ بِخِلَافِ صَرْفِ مُدٍّ لِاثْنَيْنِ لَا يَجُوزُ

(وَيَجِبُ مَعَ قَضَاءِ كَفَّارَةٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا فِي بَابِهَا (عَلَى وَاطِئٍ بِإِفْسَادِهِ صَوْمَهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ) وَإِنْ انْفَرَدَ بِالرُّؤْيَةِ (بِوَطْءٍ أَثِمَ بِهِ لِلصَّوْمِ) أَيْ لِأَجْلِهِ (وَلَا شُبْهَةَ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَكْت قَالَ: وَمَا أَهْلَكَك؛ قَالَ: وَاقَعْت امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ: لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا دَرْسٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ابْتِدَاءً كَمَا صَنَعَ م ر

. (قَوْلُهُ: حَتَّى دَخَلَ آخَرُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ وَقِ ل م ر وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ الْفَوَاتُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ وَالْبَاقِي خَمْسٌ مِنْ شَعْبَانَ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَر مُدًّا عَشَرَةٌ لِأَجْلِ الصَّوْمِ، وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ لُزُومُ الْفِدْيَةِ حَالًا عَمَّا لَا يَسَعُهُ وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَ صُورَةِ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ بِأَنَّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ يُقَدَّرُ حُضُورُهَا بِالْمَوْتِ كَمَا يَحِلُّ الْأَجْلُ بِهِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْحَيِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعْجِيلِ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَصْرِفُ فَقِيرٌ) وَلَا يَحْرُمُ نَقْلُهَا لِبَلَدٍ آخَرَ ع ش.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَلَوْ فِي فِدْيَةِ يَوْمٍ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ فَالْوَاوُ بِمَعْنَى، أَوْ. (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَاتِ) أَيْ وَيَجُوزُ صَرْفُ أَمْدَادٍ مِنْ كَفَّارَاتٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمْدَادُ بِمَنْزِلَةِ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ لَمَا جَازَ صَرْفُ مُدَّيْنِ مِنْهَا لِوَاحِدٍ وَإِنَّمَا جَازَ صَرْفُ الْمُدِّ لِوَاحِدٍ مَعَ كَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ تَعَدُّدِهِ وَتَعَدُّدِ مَا يُصْرَفُ لَهُ قَالَ تَعَالَى {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]

. (قَوْلُهُ: كَفَّارَةٍ) أَيْ وَتَعْزِيرٍ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِمْ يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ ح ل. (قَوْلُهُ بِإِفْسَادِ صَوْمِهِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي فَمَنْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُفْسِدْ صَوْمًا حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ فِي حُكْمِ إفْسَادِ الصَّوْمِ تَنْزِيلًا لِمَنْعِ الِانْعِقَادِ مَنْزِلَةَ الْإِفْسَادِ كَمَا قَالَهُ حَجّ وم ر.
(قَوْلُهُ: يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ) أَيْ يَقِينًا فَإِذَا اشْتَبَهَ رَمَضَانُ بِغَيْرِهِ فَاجْتَهَدَ وَصَامَ فَإِذَا وَطِئَ وَلَوْ فِي جَمِيعِ أَيَّامِهِ كَفَّارَةٌ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر وَمِثْلُهُ الْمُنَجِّمُ وَالْحَاسِبُ إذَا صَامَا بِحَاسِبِهِمَا، ثُمَّ جَامَعَا فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ خِلَافًا لِلْحَلَبِيِّ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ يَوْمَ الشَّكِّ وَكَانَ صَائِمًا فِيهِ حَيْثُ جَازَ بِأَنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ، أَوْ نَذْرٍ فَبَانَ مِنْ رَمَضَانَ م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ انْفَرَدَ بِالرُّؤْيَةِ) وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ هَتَكَ حُرْمَةَ يَوْمٍ عِنْدَهُ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ مَنْ صَدَّقَهُ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: بِوَطْءٍ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ لِأُنْثَى، أَوْ ذَكَرٍ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ، أَوْ مَيِّتٍ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ح ل، أَوْ فَرْجٍ مُبَانٍ حَيْثُ بَقِيَ اسْمُهُ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَاَلَّذِي فِي ع ش أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ الْمُبَانِ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إيجَابِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ بِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى مُسَمَّى الْجِمَاعِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ مَنُوطٌ بِمُسَمَّى الْفَرْجِ اهـ وَقَرَّرَهُ ح ف وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِوَطْءٍ وَحْدَهُ فَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ تَقَارَنَ الْوَطْءُ مَعَ غَيْرِهِ كَنَحْوِ الْأَكْلِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِاجْتِمَاعِ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضِي فَغَلَبَ الْمَانِعُ وَلِأَنَّ إسْنَادَ الْإِفْسَادِ إلَى الْجِمَاعِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ إسْنَادِهِ إلَى الْمُفْطِرِ الْآخَرِ سم عَلَى حَجّ. (قَوْلُهُ: وَلَا شُبْهَةَ) فَالْقُيُودُ عَشَرَةٌ وَزِيدَ عَلَيْهَا اثْنَانِ هُمَا قَيْدَانِ لِقَوْلِهِ بِوَطْءٍ وَقَوْلُهُ: أَثِمَ بِهِ لِلصَّوْمِ وَالتَّقْدِيرُ بِوَطْءٍ وَحْدَهُ وَأَثِمَ بِهِ لِلصَّوْمِ وَحْدَهُ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ اثْنَيْ عَشْرَ بَلْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ رَمَضَانَ أَيْ يَقِينًا فَلَوْ صَامَهُ بِاجْتِهَادٍ وَوَطِئَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ م ر. (قَوْلُهُ: جَاءَ رَجُلٌ) اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ كَذَا بِهَامِشِ صَحِيحٍ فَلْيُرَاجَعْ ع ش.
(قَوْلُهُ فَقَالَ هَلَكْت) أَيْ وَقَعْت فِي سَبَبِ هَلَاكٍ. (قَوْلُهُ: مَا تُعْتِقُ) مَا مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ وَتَجِدُ بِمَعْنَى تَسْتَطِيعُ أَيْ هَلْ تَسْتَطِيعُ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ إلَخْ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَإِنَّمَا جُعِلَتْ مَا مَوْصُولًا حَرْفِيًّا وَلَمْ تُجْعَلْ مَوْصُولًا اسْمِيًّا؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا مَوْصُولًا اسْمِيًّا يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَجْرُورِ بِدُونِ شَرْطِهِ وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا تُعْتِقُ بِهِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ جَلَسَ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ وَهُوَ وَاقِفٌ. (قَوْلُهُ: فَأُتِيَ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ أَتَى لَهُ بِهِ اتِّفَاقًا، أَوْ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ وَاحِدًا.
(قَوْلُهُ: تَصَدَّقْ بِهَذَا) أَيْ كَفِّرْ بِهِ قَالَ م ر وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ لَهُ عِتْقُهَا وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ. (قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) وَهُمَا الْحَرَّتَانِ أَيْ الْجَبَلَانِ الْمُحِيطَانِ بِالْمَدِينَةِ وَفِي رِوَايَةٍ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيْ الْمَدِينَةِ»

الصفحة 85