كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 2)

أَنَّهُ يَصِلُ عَرَفَةَ لَيْلًا وَكَانَ مُقِيمًا سُنَّ صَوْمُهُ وَإِلَّا سُنَّ فِطْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُضْعِفْهُ الصَّوْمُ عَنْ الدُّعَاءِ وَأَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْأَحْوَطُ صَوْمُ الثَّامِنِ مِنْ عَرَفَةَ (وَ) صَوْمُ يَوْمِ (عَاشُورَاءَ) وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ (وَتَاسُوعَاءَ) وَهُوَ تَاسِعُهُ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَقَالَ لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْلَهُ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَيُسَنُّ مَعَ صَوْمِهِمَا صَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَاثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُحْتَمَلُ التَّقْيِيدُ بِالطَّوِيلِ كَنَظَائِرِهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ أَيْ إقَامَةً لِمَحَلِّ الظَّنِّ مَقَامَ مَحَلِّ الْيَقِينِ ع ش وَمِثْلُهُ ق ل، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حَيْثُ خَصُّوا هَذَا الْحُكْمَ بِعَرَفَة أَنَّ بَاقِيَ مَا يُطْلَبُ صَوْمُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ وَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي اقْتَضَى تَخْصِيصَ عَرَفَةَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ اهـ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ يَجْرِي فِي غَيْرِ عَرَفَةَ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهَا فِي التَّأَكُّدِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَصِلُ عَرَفَةَ لَيْلًا) الْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ، أَوْ غَيْرِهَا وَقَصَدَ أَنْ يَحْضُرَ عَرَفَةَ لَيْلًا أَيْ لَيْلَةَ الْعِيدِ إنْ سَارَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَقَوْلُهُ: وَإِلَّا سُنَّ فِطْرُهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ مُقِيمًا وَقَصَدَ حُضُورَ عَرَفَةَ بِالنَّهَارِ يَوْمَ التَّاسِعِ فَيُسَنُّ لَهُ الْفِطْرُ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ وَعَاشُورَاءَ) وَلِكَوْنِ أَجْرِنَا ضِعْفَ أَجْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ ثَوَابُ مَا خُصِصْنَا بِهِ وَهُوَ عَرَفَةُ ضِعْفَ مَا شَارَكْنَاهُمْ فِيهِ وَهُوَ هَذَا أَيْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ حَجّ أَيْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْوُحُوشَ فِي الْبَادِيَةِ تَصُومُهُ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ لَحْمًا وَذَهَبَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ وَرَمَاهُ لِنَحْوِ الْوُحُوشِ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ تَأْكُلْ وَصَارَتْ تَنْظُرُ الشَّمْسَ وَتَنْظُرُ إلَى اللَّحْمِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأَقْبَلَتْ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ع ش. (قَوْلُهُ: وَتَاسُوعَاءَ) وَالْحِكْمَةُ فِي صَوْمِهِ مَعَ عَاشُورَاءَ الِاحْتِيَاطُ لَهُ خَوْفًا مِنْ الْغَلَطِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ كَمَا فِي م ر قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: يُكَفِّرُ سَنَةً أَيْضًا. (قَوْلُهُ: أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ) أَيْ أَدَّخِرُ عِنْدَ اللَّهِ تَكْفِيرَهُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَاَلَّتِي بَعْدَهُ لِمَنْ صَامَهُ فَعَلَى بِمَعْنَى عِنْدَ، أَوْ أَرْجُو مِنْ اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ فَعَلَى بِمَعْنَى مِنْ
وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ أَحْتَسِبُ الْأَجْرَ عَلَى اللَّهِ أَدَّخِرُهُ عِنْدَهُ إلَّا لِرَجَاءِ ثَوَابِ الدُّنْيَا ع ش عَلَى م ر وَالْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الذُّخْرَ بِالْمُعْجَمَةِ لِمَا فِي الْآخِرَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ لِمَا فِي الدُّنْيَا أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا أَذَّخِرُ بِالْمُعْجَمَةِ
وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ أَحْتَسِبُ هُوَ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ لِلصَّوْمِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَالسَّنَةُ الْمَاضِيَةُ آخِرُهَا شَهْرُ الْحِجَّةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةُ أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ وَالتَّكْفِيرُ لِلذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِالْآدَمِيِّ إذْ الْكَبَائِرُ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ الصَّحِيحَةُ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى رِضَاهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَغَائِرُ فَيُرْجَى أَنْ يُحْتَتَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَعَمَّمَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَقَالَ التَّخْصِيصُ بِالصَّغَائِرِ تَحَكُّمٌ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذُنُوبٌ فَزِيَادَةٌ فِي الْحَسَنَاتِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ التَّكْفِيرُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْغُفْرَانِ وَبِمَعْنَى الْعِصْمَةِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ كَانَ مَغْفُورًا. .
(فَائِدَةٌ)
قَالَ بَعْضُهُمْ يُؤْخَذُ مِنْ تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيهَا لِأَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَرَاجِعْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ السَّنَةُ الَّتِي تَتِمُّ بِفَرَاغِ شَهْرِهِ وَبِالسَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهُ السَّنَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ الَّذِي يَلِي الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ إذْ الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ وَعُرْفُهُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَلِكَوْنِ السَّنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ لَمْ تَتِمَّ إذْ بَعْضُهَا مُسْتَقْبَلٌ كَاَلَّتِي بَعْدَهُ أَتَى مَعَ الْمُضَارِعِ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ الَّتِي تُخَلِّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ وَإِلَّا فَلَوْ تَمَّتْ الْأُولَى كَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِلَفْظِ الْمَاضِي شَوْبَرِيٌّ وَمِثْلُهُ م ر قَالَ الرَّشِيدِيُّ يُعَارِضُ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبَّرَ بِمِثْلِ هَذَا التَّعْبِيرِ فِي خَبَرِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَعَ أَنَّ السَّنَةَ فِيهِ قَدْ مَضَى جَمِيعُهَا بَلْ وَزِيَادَةٌ وَالْوَجْهُ أَنَّ حِكْمَةَ التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ فِيهِمَا كَوْنُ التَّكْفِيرِ مُطْلَقًا مُسْتَقْبَلًا بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ تَرْغِيبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْمَاضِيَ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَالْمُضَارِعُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِأَدَاءِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ وَاثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ) سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ثَانِي أَيَّامِ إيجَادِ الْمَخْلُوقَاتِ غَيْرِ الْأَرْضِ وَالْخَمِيسُ خَامِسُهَا وَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ وَهُوَ أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ وَإِنَّمَا أَوَّلُهُ السَّبْتُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي بَابِ النَّذْرِ وَصَوْمُ الِاثْنَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْخَمِيسِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَكَأَنَّهُ وَجَّهَهُ أَنَّ فِيهِ بَعْثَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الصفحة 88