كتاب حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد (اسم الجزء: 2)

(وَفِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ) مِنْهُ فِي غَيْرِهِ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الِاعْتِكَافِ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالُوا فِي حِكْمَتِهِ (لِلَيْلَةِ) أَيْ لِطَلَبِ لَيْلَةِ (الْقَدْرِ) الَّتِي هِيَ كَمَا قَالَ: تَعَالَى {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ حَادٍ، أَوْ ثَالِثٍ وَعِشْرِينَ) مِنْهُ دَلَّ لِلْأَوَّلِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ وَلِلثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ فَكُلُّ لَيْلَةٍ مِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُحْتَمِلَةٌ لَهَا لَكِنْ أَرْجَاهَا لَيَالِي الْوِتْرِ وَأَرْجَاهَا مِنْ لَيَالِي الْوِتْرِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فَمَذْهَبُهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا.
وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا: إنَّهَا تَنْتَقِلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ تَحَرَّاهَا وَلَوْ بِلَا صَوْمٍ أَوْ اللَّيْلِ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي خِلَافًا لِلْإِمَامَيْنِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ شَرْطَهُ الصَّوْمُ عِنْدَهُمَا وَيَرُدُّ عَلَيْهِمَا مَا ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ» وَفِيهِ يَوْمُ الْعِيدِ قَطْعًا وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ اتِّفَاقًا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ وَفِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا مَرَّ أَيْ قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ إذْ ذَاكَ فِي اسْتِحْبَابِهِ فِي رَمَضَانَ وَمَا هُنَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ م ر وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ أَعَادَهُ هُنَا لِبَيَانِ طَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ ذِكْرِهِ فِي الصَّوْمِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَصْلٌ شَرْطُ وُجُوبِهِ إسْلَامٌ ع ش. (قَوْلُهُ وَقَالُوا فِي حِكْمَتِهِ) أَشَارَ بِذَلِكَ أَعْنِي التَّبْرِيزِيّ إلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَعَلَ فِعْلَ بِرٍّ وَاظَبَ عَلَيْهِ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُوَاظَبَتَهُ كَانَتْ لِأَجْلِ كَوْنِهِ عَمَلَ بِرٍّ فَتَأَمَّلْ وَقَدْ يُقَالُ الْحِكْمَةُ الْمَذْكُورَةُ لِاخْتِيَارِ الْعَشْرِ لَا لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى اعْتِكَافِهِ وَهَذَا أَنْسَبُ مِمَّا قَبْلَهُ شَوْبَرِيٌّ وَهَذَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ الْمُحَشِّي مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي حِكْمَتِهِ رَاجِعٌ لِلْمُوَاظَبَةِ وَهُوَ يُبْعِدُ رَبْطَ الشَّرْحِ بِالْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّهُ حِكْمَةٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ أَنَّ قَوْلَهُ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ عِلَّةٌ لِلْأَفْضَلِيَّةِ فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذِهِ حِكْمَةٌ وَأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْمُوَاظَبَةُ وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الشَّيْخُ عَبْدُ رَبِّهِ وَجْهُ التَّبْرِيزِيّ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَآهَا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ لَا يُسَنُّ لَهُ قِيَامُ بَقِيَّتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسَنُّ قِيَامُ اللَّيَالِي الْمَذْكُورَاتِ مُطْلَقًا وَإِنْ رَآهَا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَقِيلَ وَجْهُ التَّبَرُّؤ أَنَّ هَذِهِ الْحِكْمَةَ إنَّمَا تَتَأَتَّى عَلَى مُخْتَارِ الْإِمَامِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ. (قَوْلُهُ: فِي حِكْمَتِهِ) أَيْ حِكْمَةِ كَوْنِ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَفْضَلَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْعَمَلُ فِيهَا) وَلَوْ قَلِيلًا أَيْ لِمَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا ح ل وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّوَابِ الْكَامِلِ. (قَوْلُهُ فِي أَلْفِ شَهْرٍ) وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَثُلُثٌ بِرْمَاوِيٌّ. نُقِلَ فِي الْمَوَاهِبِ الْقَسْطَلَّانِيَّة عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ لَيْلَةَ مَوْلِدِهِ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِأُمُورٍ فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيٌّ وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَكَيْفَ التَّفْضِيلُ بَيْنَ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْلَةُ مَوْلِدِهِ لَا نَظِيرَتُهَا مِنْ كُلِّ عَامٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلُهَا عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً إذْ ذَاكَ وَقَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَإِلَّا لَزِمَ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ بِمَرَاتِبَ قَالَ ق ل ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَلِفَ كَامِلَةٌ وَأَنَّهَا تُبْدَلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِلَيْلَةٍ غَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ نَقْصُهَا مِنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهَا الْمُنْصَرِفُ إلَيْهَا الِاسْمُ شَرْعًا. (قَوْلُهُ: مَنْ قَامَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت لَفْظُ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ هَلْ يَقْتَضِي قِيَامَ تَمَامِ اللَّيْلَةِ، أَوْ يَكْفِي أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِيَامِ فِيهَا. قُلْت يَكْفِي الْأَقَلُّ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ حَتَّى قِيلَ بِكِفَايَةِ أَدَاءِ فَرْضِ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ عَنْ الْقِيَامِ فِيهَا لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ عُرْفًا أَنَّهُ لَا يُقَالُ قَامَ اللَّيْلَةَ إلَّا إذَا قَامَ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا فَإِنْ قُلْت مَا مَعْنَى الْقِيَامِ فِيهَا إذْ ظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا قُلْت الْقِيَامُ الطَّاعَةُ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَهُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهِ كَرْمَانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْإِيمَانِ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: إيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهَا حَقٌّ وَطَاعَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَاحْتِسَابًا) أَيْ طَلَبًا لِرِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابِهِ وَهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَوْ الْحَالِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَعَلَيْهِ فَهُمَا حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ، أَوْ مُتَرَادِفَانِ بِرْمَاوِيٌّ وَفِيهِ أَنَّ الْعَطْفَ يَمْنَعُ كَوْنَهَا مُتَدَاخِلَةً. (قَوْلُهُ: مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ مِنْ صَغَائِرِ ذَنْبِهِ بِقَرِينَةِ التَّقْيِيدِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِمَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَالنُّكْتَةُ فِي وُقُوعِ الْجَزَاءِ مَاضِيًا مَعَ أَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَيَقُّنُ الْوُقُوعِ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِرْمَاوِيٌّ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا لَا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا خَيْرٌ إلَخْ لِأَنَّهُ وَارِدٌ بِالْقُرْآنِ فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا هُوَ لَا يُنْتِجُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ الْأَنْسَبُ فِي الْحَدِيثِ الْعَطْفَ لِأَنَّهُ مَسُوقٌ لِمَا سِيقَتْ لَهُ الْآيَةُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ) هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ حَادٍ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَمَذْهَبُهُ) الْمُنَاسِبُ وَمَذْهَبُهُ بِدُونِ تَفْرِيعٍ لِعَدَمِ تَفَرُّعِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةٌ بِعَيْنِهَا أَيْ لَيَالِي

الصفحة 92