كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 2)

وقيل: هو ما أثبته في الكتب المتقدّمة في صفة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأنه سيبعثه على ما قال في سورة المائدة:
{وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَآئِيلَ} إلى قوله: {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} [المائدة: 12] .
وقال في سورة الأعراف: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] إلى قوله {والإنجيل} [الأعراف: 157] وأما عهد الله معهم، فهو أن يضع عنهم إصْرَهُمْ والأغلال، لقوله: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} [آل عمران: 81] الآية وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ} [الصف: 6] .
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [إن الله تعالى] كان عهد إلى بني إسرائيل في التَّوْرَاة أني باعث من بني إسماعيل نبيَّا أمياً، فمن تبعه وصدّق بالنور الذي يأتي به أي القرآن [أغفر له ذنبه، وأدخله] الجَنَّة، وجعلت له أجرين؛ أجراً باتباع ما جاء به موسى وجاءت به أنبياء بني إسرائيل، وأجراً [باتباع] ما جاء به محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ [النبي الأمي] من ولد إسماعيل، وتصديق هذا القُرْآن في قوله تعالى: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52] إلى قوله {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ} [القصص: 54] .
وتصديقه أيضاً بما روى أبو مسوى الأشعري عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «ثلاثة يُؤْتَوْنَ أجرهم مَرَّتَيْنِ بما صبروا: رَجُل من أهْل الكتاب آمن بِعِيسَى، ثم آمَنَ بمحمّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ [فله أَجْرَانِ] ، ورجل أدّب أَمَتَهُ فأحسن تَأدِيبَهَا، وعلّمها فأحسن تعليمها، ثم أَعْتَقَهَا فتزوَّجَهَا، فله أَجْرَان، وعبد أَطَاعَ الله، وأطاع سَيّدَهُ فله أَجْرَان» .
فإن قيل: إنْ كان الأمر هكذا، فكيف يجوز جَحْدَهُ من جماتهم؟
فالجواب من وجهين:
الأول: أنّ هذا العلم كان حاصلاً عند العلماء في كتبهم، لكن لم يكن منهم عَدَدٌ كثير، فجاز منهم كِتْمَانُ ذلك.
الثاني: أن ذلك النصّ كان خفيًّا لا جليًّا، فجاز وقوع الشَّكَ فيه.
فإن قيل: الشخص الموعود به في هذه الكتب، أما أن يكون قد ذكر فيه هذه

الصفحة 11