كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 2)

بعمله» (¬1) فإن ظاهره يدل على أن العمل ليس سبباً لدخول الجنة.
وأجابوا عنه وجمعوا بين الآية والحديث من وجوه أحسنها كما قاله شيخ الإسلام ابن حجر: أن المنفي في الحديث دخولها بالعمل المجرد عن القبول، والمثبت في الآية دخولها في العمل المتقبل والمقبول إنما يحصل برحمة الله تعالى فلم يحصل الدخول إلا برحمة الله تعالى (¬2) وحاصل معنى الحديث: لن يدخل أحدكم الجنة بسبب عمله الذي لم يتقبل منه، ومعنى الآية: وتلك الجنة التي أورثتموها بسبب عملكم المقبول برحمة الله تعالى.
فالحاصل: أن الدخول برحمة الله وليس عمل العبد مستقلاً بدخولها فقد روى أبو نعيم من حديث أبي الزبير أن جابراً قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يدخل أحداً منكم عمله الجنة، ولا يجيره من النار، ولا أنا إلا بتوحيد الله» (¬3) وإسناده على شرط مسلم.
نعم العمل نافع في الدرجات فقد نقل عن سفيان وغيره أنه قال: كانوا يقولون النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمته، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال.
وفي الحديث أيضاً: «سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أن أحداً منكم لن ينجو بعمله، قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» (¬4) وهي سعة رحمة الله تعالى.
يقول الحسن: يقول الله تعالى يوم القيامة: جوزوا الصراط بعفوي، وادخلوا جنتي برحمتي، واقتسموها بأعمالكم.
وجاء في الحديث: «ينادى مناد من تحت العرش: يا أمة محمد ما كان لي قبلكم فقد وهبته لكم وبقيت التبعات، فتواهبوها فيما بينكم وادخلوا الجنة برحمتي» (¬5) .
لطائف وأخبار في أن الدخول الجنة برحمة الله:
اللطيفة الأولى: قال في الروض الفائق: قال عبد الواحد بن زيد رحمة الله تعالى:
¬_________
(¬1) جزء من حديث متفق عليه أخرجه البخاري في صحيحه (5/2373، رقم 6102) ، ومسلم في صحيحه (4/2171، رقم 2818) .
(¬2) انظر فتح الباري (1/78) .
(¬3) الحديث أصله في صحيح مسلم (4/2171، رقم 2817) .
(¬4) متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه (5/2373، رقم 6102) ، ومسلم في صحيحه (4/2171، رقم 2818) .
(¬5) أخرجه الديلمي في الفردوس (5/496، رقم 8871) عن أنس بن مالك.

الصفحة 17