كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 2)

فائدة: في مسند عبد الرزاق وابن أبي شيبة أن نوحاً عليه الصلاة والسلام كان يقول أي: إذا فرغ من قضاء الحاجة وخرج من الخلاء: «الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في منفعته، وأذهب عنى أذاه» (¬1) .
وعند الحنفية يستحب أن يقول إذا دخل الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث من الشيطان الرجيم» ، وإذا خرج يقول: «الحمد لله الذي أذهب عنى ما يؤذينى، وأمسك عني ما ينفعنى» .
وقد ذكر العلماء رضى الله عنهم أداباً كثيرة لقضاء الحاجة:
منها: أنه يبعد عن الناس في الصحراء أو نحوها إن كان هناك غيره إلى مكان لا يسمع للخارج منه شيء، ولا يشم له ريح، فإن تعذر عليه الإبعاد عنهم لمرض ونحوه استحب لهم الإبعاد عنه إلى مكان لا يسمعون.
ومنها: أن يستتر عن أعينهم بشيء مرتفع قدر ثلثي ذراع فأكثر، ويكون بينه وبينه ثلاثة أذرع بذراع الآدمي المعتدل فأقل، هذا إن كان بصحراء أو بناء لا يمكن تسقيفه، كأن جلس في وسط مكان واسع كبستان، فإن كان ببناء مسقف أو يمكن تسقيفه حصل الستر به، ولو تستر في الصحراء ونحوها براحلته وأرخى ذيله أو نحو ذلك كفى.
قال القاضي زكريا: ولو تعارض التستر والإبعاد فالظاهر رعاية التستر، يعني لو أبعد عن العيون لم يستتر، ولو لم يبعد لاستتر فالستر أولى وإن لم يبعد.
لطيفه: ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته فنظر فلم يجد شيئاً يستتر به، فإذا بشجرتين في شاطئ الوادي فانطلق إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال: «انقادى معي بإذن الله تعالى» فانقادت معه حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها فقال: «انقادي معي بإذن الله تعالى» فانقادت معه حتى إذا كانت بالنصف مما بينهما لأم بينهما فقال: «إلتئما علي بإذن الله تعالى» فلتأمتا ثم بعد قضاء حاجته افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق (¬2) .
وقال فيه أيضاً: وروي عن أسامة بن زيد قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض مغازيه: «هل ترى لي مكاناً لحاجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» فقلت: إن الوادي ما فيه موضع بالناس، فقال: «هل ترى من نخل أو حجارة؟» فقلت: أرى نخلات متقاربات قال: «انطلق فقل لهن إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركن أن تأتين لمخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقل
¬_________
(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة (1/12، رقم 9) .
(¬2) أخرجه مسلم (4/2301، رقم 3006) وابن حبان (14/455، رقم 6524) عن جابر.

الصفحة 312