كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 2)

قَالَ البُخَارِي:
بَابٌ: لا تُسْتَقْبَلُ القِبْلَةُ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ إِلا عِنْدَ البِنَاءِ: جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ ... »
في هذا الإسناد من اللطائف أن رجاله كلهم مدنيون، وأبو أيوب الأنصاري صحابي جليل، واسمه: خالد بن زيد، ولكن غلبت عليه كنيته، وهو خزرجي أنصاري مدني، ثم شامي، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن فضائله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة نزل عليه شهراً، حتى بنت مساكنه ومسجده - صلى الله عليه وسلم -.
وقدم مرة إلى البصرة وكان فيها ابن عباس ففرح به وقال له: إني أخرج من مسكني لك، كما خرجت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مسكنك، ولما رحل منها أعطاه عشرين ألفاً وأربعين عبد.
هو من نجباء الصحابة ومناقبه جمة، وكان مع علي في حروبه.
ومن فضائله: أنه خرج مرة للغزاة بالقسطنطينية فمرض فلما ثقل قال لأصحابه: احملوني فإذا صففتم العدو فارموني تحت أرجلكم.
قال ابن الملقن: قال الكرماني قال لأصحابه: إذا مت فاحملوني فإن صاففتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم، ففعلوا فقبره قريب من سور بالقسطنطينية، معروف إلى اليوم وهم هناك يستقون به فيسقون، مات سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، روي له من الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وخمسون حديثاً، اتفقا على سبعة، وانفرد البخاري بحديث.
« ... عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» (¬1) .
¬_________
(¬1) للحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث فوائد منها:
قوله: «فلا يستقبل» بكسر اللام لأن «لا» ناهية واللام في القبلة للعهد أي للكعبة.
قوله: «ولا يولها ظهره» : ولمسلم «ولا يستدبرها» وزاد «ببول أو بغائط» والغائط الثاني غير الأول، أطلق على الخارج من الدبر مجازاً من إطلاق اسم المحل على الحال كراهية لذكره بصريح اسمه، وحصل من ذلك جناس تام.
والظاهر من قوله «ببول» اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة، ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة، ويؤيده قوله في حديث جابر: «إذا هرقنا الماء» . وقيل مثار النهي كشف العورة، وعلى هذا فيطرد في كل حالة تكشف فيها العورة كالوطء مثلا، وقد نقله ابن شاش المالكي قولا في مذهبهم وكأن قائله تمسك برواية في الموطأ: «لا تستقبلوا القبلة بفروجكم» ولكنها محمولة على المعنى الأول أي حال قضاء الحاجة جمعاً بين الروايتين والله أعلم. انظر فتح الباري (1/246) .

الصفحة 324