كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 2)

في هذا الحديث دلالة على أنه يحرم على الإنسان أن يستقبل لقبلة ببول أو غائط أو يستدبرها، فإن قوله: «فلا يستقبل القبلة» نهي، وكذا قوله: «ولا يولها ظهره» نهي أيضاً.
والأصل في النهي أن يكون للتحريم وهذا المسألة فيها أربعة مذاهب للعلماء:
الأول: التحريم مطلقاً في البنيان والصحراء وهو قول أبي أيوب الأنصارى، راوي الحديث، وحكي عن جماعة منهم أبو حنيفة، وهؤلاء حملوا النهي على العموم، وجعلوا العلة فيه التعظيم والاحترام للقبلة، فإن موضعها للصلاة وللدعاء والبر والخير.
الثاني: الجواز مطلقاً.
الثالث: تحريم الاستقبال دون تحريم الاستدبار.
الرابع: وهو قول إمامنا الشافعي وبه قال مالك وجمهور العلماء: أنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء دون البنيان.
سؤال: فإن قيل: قوله في هذا الحديث: «فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره» يقتضي التحريم في الصحراء والبنيان؟
جوابه: أن إمامنا الشافعي حمله على الصحراء، وحمل غيره من الأحاديث الدالة على الجواز مطلقاً على البنيان، جمعاً بين الأخبار.
فائدة: إنما يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان بشرطين:
أحدهما: أن يستتر بشيء بينه وبين القبلة مرتفع قدر ثلثي ذراع فأكثر، كجدار أو حجر أو تراب أو إرخاء ذيل أو نحوه.
الثاني: أن يقرب منه على ثلاثة أذرع فأقل بذراع الآدمي، فإن كان الساتر أقل من ثلثي ذراع أو كان أكثر، ولكن بعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع فيحرمان حينئذ كالصحراء.
نعم إذا كان في الأخلية المعدة لقضاء الحاجة وإن بعد الساتر عنه، أو قصر من ثلثي ذراع فأكثر وقربه منه، لا حرمة فيه ولا كراهة ولا خلاف الأولى قاله النووي.
لأن الضرورة قد تدعو إلى توسيعه لوضع أواني الماء ونحوها، وإنما يحرمان بالصحراء إذا لم يكن بينها وبينه ساتر، فإذا استتر بمرتفع قدر ثلثى ذراع فأكثر، وقرب

الصفحة 325