كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 2)

واحترزوا «بطاهر» عن النجس والمتنجس كالروث الجامد والحجر المتنجس ونحوهما فلا يكفي الاستنجاء بذلك.
واحترزوا «بقالع» عما لا يقلع النجاسة لملاسته كالقصب والزجاج، أو للزوجته أو لتناثر أجزائه كالفحم الرخو أو التراب المتناثر فلا يكفي الاستنجاء به، أما إذا كان الفحم والتراب صلبين فإنه يكفي الاستنجاء بها.
واحترزوا «بغير محترم» عن الجامد المحترم كأوراق كتب العلم، سواء كان شرعياً كالفقة والحديث أم لم يكن، كالنجوم والعروض فالاستنجاء بها حرام ولا يجزئه، بخلاف أوراق علم المنطق والفلسفة والإنجيل المبدل فإنها إذا لم يكن اسم الله تعالى فيها فهي غير محترمة فيجوز الاستنجاء بها ويجزئه.
ومن المحترم الذي لا يجوز الاستنجاء به ولا يجزئه مطعوم الآدمي كالخبز، ومطعوم الجن كالعظم.
وقد دل قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة - رضي الله عنه - في هذا الحديث الذي ساقه البخاري هنا: «أبغني أحجاراً ولا تأتني بعظم ولا روث» على أن الاستنجاء بالروث وبالعظم لا يجوز.
أما العظم فالحكمة في النهي عن الاستنجاء به أنه زاد إخواننا من الجن.
وأما الروث فقيل: نهى عنه إما لأنه نجس لا يزيل النجاسة بل يزيدها، وفي المثل: «ليت الفحل يهضم نفسه» ، وإما لأنه طعام دوآب الجن.
قال الحافظ أبو نعيم في دلائل النبوة: «إن الجن سألوه هدية منه - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم العظم والروث، فالعظم لهم والروث لدوآبهم» .
فإذًا لا يستنجى بهما، وإما لأنه طعام الجن أنفسهم فإن الجن يأكلون ويشربون ويتناكحون كما يفعل الإنسان.
وقال بعضهم: إن صنفاً منهم يأكلون ويشربون، وصنفاً لا يأكلون ولا يشربون، وهذا قول ساقط.
وقال بعضهم: أكلهم وشربهم عبارة عن شم واستنشاق رائحة لا مضغ ولا بلع، وإلى هذا القول ذهب الغزالي، وهذا قول لا دليل عليه.
وأكثر العلماء على أن أكلهم وشربهم كالإنسان مضغ وبلع، وقد دلت الأخبار على ذلك منها قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث لأبى هريرة: «ولا تأتني بعظم ولا روث» .
وجاء في رواية في هذا الصحيح أن أبا هريرة قال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: ما بال الروث والعظم؟ قال: «هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن،

الصفحة 346