كتاب شرح البخاري للسفيري = المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية (اسم الجزء: 2)

إلا الله وحدة لا شريك له وأنك رسول الله بعثك بالحق، يا محمد قم وأفعل كما فعلت، ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، فقال: يا محمد قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويغفر الله لمن يصنع مثل صنيعك ذنوبه حدثيها وقديمها وسرها وعلاينتها وعمدها وخطاها وحرم لحمه ودمه على النار.
فائدة: هل فرض الله الوضوء بمكة أو بالمدينة؟
قال ابن العماد في شرح سيرته: ونقل الباجي في شرح الموطأ عن بعض العلماء: أن فريضة الوضوء كانت بالمدينة، وأنه لم يكن واجباً مكة، بل كان سنة.
وكذا نقل القاضي عياض قال: والأكثرون على أنه كان واجباً بمكة لكنهما لم يعينوا وقته.
وفي دلائل النبوة للبيهقي: «أن جبريل صلوات الله وسلامة عليه علمه الوضوء في أول الإسلام» .
وذكر ابن الرفعة في الكفاية في باب الجهاد: أن جبريل - عليه السلام - نزل بأعلى مكة، فهمز في ناحية الوادي فانفجرت فيه عين فتوضأ جبريل - عليه السلام - ليريه كيف الطهور، فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها، ثم قام جبريل يصلي وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصلاته، فكانت هذه أول عبادة فرضت عليه كما قاله الماوردي.
ثم جاء إلى خديجة فتوضأ لها حتى توضأت وصلى بها كما صلى به جبريل عليهم الصلاة والسلام، فكانت أول من توضأ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي الحديث دلالة على استحباب ركعتين فأكثر عقب كل وضوء، ينوي بها سنة الوضوء، وهي سنة مؤكدة، ويستحب فعلها في كل وقت توضأ فيه، حتى في أوقات الكراهة، لأن لها سبباً مقدماً عليها.
قال النووي: ولو صلى بعد الوضوء فريضة أو نافلة مقصودة حصلت له فضيلة سنة الوضوء، كما تحصل تحية المسجد بذلك، بل لو دخل المسجد على وضوء في وقت الظهر مثلاً، وصلى ركعتين ونوى بهما سنة الظهر وسنة الوضوء وتحية المسجد حصل له ثواب الجميع.
قال النووي: إنما قال - صلى الله عليه وسلم -: «نحو وضوئي» ولم يقل: مثل وضوئي لأن حقيقة مما ثلثه - صلى الله عليه وسلم - لا يقدر عليها غيره.
وفي الحديث دلالة وبشارة لمن صلى سنة الوضوء بمغفرة الذنوب المتقدمة، وهذا الغفران للصغائر دون الكبائر، أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، وينبغي أن يعلم أن

الصفحة 374