كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 2)

رَجُلٌ لَمْ يَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ مَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» - إنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَرْضِ وَنَوْمِهِ عَنْهُ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَالْبُرْهَانُ لَا يُعَارَضُ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَا يَخْتَلِفُ، وَلَا يَتَكَاذَبُ، وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ.
وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «الْوِتْرُ لَيْسَ فَرِيضَةً وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ تَكْذِيبُ مَنْ قَالَ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ.
وَرُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْت نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ وَهَلْ لِلْوَتْرِ فَضِيلَةٌ عَلَى سَائِرِ التَّطَوُّعِ؟ وَرُوِّينَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَنْ لَمْ يُوتِرْ حَتَّى أَصْبَحَ؟ قَالَ سَيُوتِرُ يَوْمًا آخَرَ.
وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْوِتْرِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك، وَصَلَّى الضُّحَى، وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك؛ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك.
وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْت لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ أَمَامَ الصُّبْحِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ لَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ فَرْضٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلَانَ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، وَلَا تَطَوُّعٌ؛ فَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إبْطَالَهُ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فَرْضًا، وَلَكِنْ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ، وَكَانَتْ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو تَارِكُهُ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ غَيْرَ عَاصٍ؛ فَإِنْ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَعْصِي أَحَدٌ بِتَرْكِ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فَرْضًا؛ فَالْوِتْرُ إذَنْ فَرْضٌ، وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهَذَا، وَإِنْ قَالَ: بَلْ هُوَ غَيْرُ عَاصٍ - لِلَّهِ تَعَالَى.
قِيلَ: فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُؤَدَّبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى، أَوْ أَنْ تُجَرَّحَ شَهَادَةُ مَنْ لَيْسَ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ الْوِتْرَ أَوْكَدُ التَّطَوُّعِ، لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ

الصفحة 6