كتاب البناية شرح الهداية (اسم الجزء: 2)
والاستخبار فوق التحري، فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يعيدها إذا استدبر لتيقنه بالخطأ، ونحن نقول: ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري والتكليف مقيد بالوسع.
ـــــــــــــــــــــــــــــQم: (فإن علم أنه أخطأ بعدما صلى لا يعيدها) ش: أي الصلاة التي صلاها، وبه قال مالك وأحمد والمزني م: (وقال الشافعي: يعيدها إذا استدبر) ش: وهو ظاهر مذهبه وقوله الآخر كمذهبنا. وفي " الحلية ": هو المختار، وقيد بالاستدبار لأن في التيامن والقياس لا يعيد اتفاقا.
م: (لتيقنه بالخطأ) ش: وتمكنه من أداء الفرض بيقين، فيعيدها كما لو تحرى في ثوبين، أحدهما نجس، ثم ظهر بعد الصلاة في أحدهما بالتحري أنه نجس فيها أنه يعيد الصلاة إجماعا، وكذا التحري في الأواني.
قلنا: الاجتهاد يقوم مقام إصابة الكعبة عند العجز عن التوجه إلى عينها، بخلاف الثوب النجس والماء النجس إذا تنجس ما أقيم مقامه الظاهر فظاهر. ولأن الحاجة إلى الاجتهاد في القبلة أمس إذ لولاه صحت الصلاة أصلا، بخلاف الثوب والماء فإنه يمكنه أن يصلي عاريا وبالتيمم، فللصلاة وجود بدونها.
م: (ونحن نقول: ليس في وسعه إلا التوجه إلى جهة التحري) ش: إذ ليس في وسع هذا المجتهد إلا التوجه إلى جهة التحري لأن المقصود من طلب الجهة رضاء الله عنه لا عين الجهة، إلا إذا أمر بالطلب تحقق معنى الابتداء، والابتداء قد تم بالتحري فسقط عنه ما لزمه من الفرض.
م: (والتكليف مقيد بالوسع) ش: قال الله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] (البقرة: الآية 286) . قال الأكمل: قيل هذا لا يصح جوابا للشافعي اه.
قلت: هذا هو كلام السغناقي، فإنه قال: فإن قلت: هذا التعليل لا يكون جوابا كما ذكره الشافعي، فإن له أن يقول: سلمنا أن التكليف مقيد بالوسع، لكن هذا حال العمل، فإن له أن يعمل حال توجه الخطاب بالعقل لما في وسعه، ولا يأثم بما فعل عند ظهور الخطأ، فأما إذا ظهر خطؤه يقينا فكان فعله كلا فعل في حق وجوب الإعادة، كما في التحري في ثوبين أحدهما نجس، فإنه يعيد الصلاة هنا.
وملخص جوابه بأن القبلة من قبيل ما يحتمل الانتقال لأنها انتقلت من بيت المقدس إلى الكعبة ومن الكعبة إلى الجهة ومنها إلى سائر الجهات إذا كان راكبا، فإن فعل حيثما توجهت إليه راحلته فيعيد ما صلى إلى الجهة بالتحري إذا تحرك رأسه، فينتقل فرض التوجه إلى تلك الجهة، فكما يبدل الرأي فيه بمنزلة الفسخ فيعمل به في المستقبل، ولا يعمل به بطلان ما مضى، كما في النسخ الحقيقي، بخلاف النجاسة ونحوها مما لا يحتمل الانتقال من محل إلى محل، فلم يحركه العمل إلا بظاهر ما أدى إليه تحريه، فإذا ظهر ما هو أقوى منه أبطله لأنه غير قابل للانتقال.
الصفحة 150
684