كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

الدَّمُ ثُمَّ يَذْرُ نَحْوَ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ بِهِ أَوْ يَخْضَرَّ فَفِيهِ تَفْصِيلُ الْجَبْرِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّ بَابَهُ أَوْسَعُ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْوَشْمَ بِرِضَاهُ فِي حَالَةِ تَكْلِيفِهِ وَلَمْ يَخَفْ مِنْ إزَالَتِهِ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ مَنَعَ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ عَنْ مَحَلِّهِ لِتَنَجُّسِهِ، وَإِلَّا عُذِرَ فِي بَقَائِهِ وَعُفِيَ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ، وَإِمَامَتُهُ وَحَيْثُ لَمْ يُعْذَرْ فِيهِ وَلَا فِي مَاءٍ قَلِيلًا أَوْ مَائِعًا أَوْ رَطْبًا نَجَّسَهُ كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ وَصَلَهُ بِهِ مَعَ وُجُودِ صَالِحٍ طَاهِرٍ أَوْ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ أَصْلًا حَرُمَ عَلَيْهِ لِلتَّعَدِّي وَ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (نَزْعُهُ) وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا) يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَإِنْ اكْتَسَى لَحْمًا كَمَا لَوْ حَمَلَ نَجَاسَةً تَعَدَّى بِحَمْلِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إزَالَتِهَا، وَكَوَصْلِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجِسٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَزِمَ الْحَاكِمَ نَزْعُهُ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِأَلَمِهِ حَالًا إنْ أَمِنَ مَآلًا، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــSنَفْسَهُ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْكَشْطِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِتَعَدِّيهِ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ عَاصِيًا بِالْفِعْلِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ وَالصَّبِيِّ، وَلَوْ وُشِمَ بِاخْتِيَارِهِ، وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ لِتَعَدِّيهِ إذْ هُوَ مُكَلَّفٌ انْتَهَى فَلْيُحَرَّرْ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
[حَادِثَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا بِمَا صُورَتُهُ: مَا قَوْلُكُمْ فِي كَيٍّ يَتَعَاطَوْنَهُ بِدِمَشْقَ الشَّامِ يُسَمُّونَهُ بِكَيِّ الْحِمَّصَةِ. وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يُكْوَى مَوْضِعُ الْأَلَمِ ثُمَّ يُعَفَّنُ مُدَّةً بِمُخِّ الْغَنَمِ ثُمَّ يُجْعَلُ فِيهِ حِمَّصَةٌ تُوضَعُ فِيهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تُلْقَى مِنْهُ وَقَدْ عَظُمَتْ الْبَلِيَّةُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِذًا حُكْمُ الصَّلَاةِ فِيهَا هَلْ تَكُونُ كَاللُّصُوقِ وَالْمَرْهَمِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِلصَّلَاةِ زَمَنَ مُكْثِهَا فِي الْمَحَلِّ الْمَكْوِيِّ أَوْ لَا؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. وَأَقُولُ: يُجَابُ عَنْهُ قِيَاسًا عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ خِيَاطَةَ الْجُرْحِ وَمُدَاوَاتَهُ بِالنَّجَاسَةِ كَالْجَبْرِ: أَيْ فِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقُمْ غَيْرُ مَا دَهَنَهُ بِهِ مِنْ النَّجَسِ مَقَامَهُ عُفِيَ عَنْهُ وَلَا يُنَجَّسُ مَا أَصَابَهُ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ، إنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحِمَّصَةِ مِثْلُهُ فَإِنْ قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا فِي مُدَاوَاةِ الْجُرْحِ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهَا مَقَامَهَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَا يَضُرُّ انْتِفَاخُهَا وَعِظَمُهَا فِي الْمَحَلِّ مَا دَامَتْ الْحَاجَةُ قَائِمَةً، وَبَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ يَجِبُ نَزْعُهَا، فَإِنَّ تَرْكَهُ بِلَا عُذْرٍ ضُرٌّ وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ هُنَا بِأَنَّهُ حَيْثُ عُذِرَ فِي الْوَشْمِ لَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا وُجُودُ النَّجَاسَةِ مَعَ حُصُولِهَا بِفِعْلِهِ لَا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ أَثَرَ الْوَشْمِ يَدُومُ أَوْ تَطُولُ مُدَّتُهُ إلَى حَدٍّ يَزِيدُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِمَنْ يَفْعَلُ الْحِمَّصَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَا يَضُرُّ إخْرَاجُهَا وَعَوْدُ بَدَلِهَا كَمَا لَا يَضُرُّ تَغْيِيرُ اللُّصُوقِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ بَابَهُ) أَيْ الْوَشْمِ (قَوْلُهُ: فِي حَالَةِ تَكْلِيفِهِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا عُذِرَ فِي بَقَائِهِ) أَيْ بِأَنْ فُعِلَ بِهِ قَبْلَ تَكْلِيفِهِ أَوْ فَعَلَهُ بَعْدَهُ وَخَافَ مِنْ إزَالَتِهِ ضَرَرًا يُبِيحُ إلَخْ، أَوْ فُعِلَ بِهِ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ بِغَيْرِ رِضًا مِنْهُ.
هَذَا وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ: عَطْفًا عَلَى مَا يُكَلَّفُ إزَالَتَهُ وَفِي الْوَشْمِ، وَإِنْ فَعَلَ بِهِ صَغِيرًا عَلَى الْأَوْجَهِ وَتُوُهِّمَ فَرْقٌ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْ حَيْثُ الْإِثْمُ وَعَدَمُهُ، فَمَتَى أَمْكَنَهُ إزَالَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فِيمَا لَمْ يَتَعَدَّ بِهِ، وَخَوْفُ مُبِيحِ تَيَمُّمٍ فِيمَا تَعَدَّى بِهِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْوَصْلِ لَزِمَتْهُ وَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا عَنْ سم عَلَى مَنْهَجٍ قَرِيبًا خِلَافُهُ.
(قَوْلُهُ: وَعُفِيَ عَنْهُ) وَهَلْ مِنْ الْوَشْمِ الَّذِي لَا تَعَدِّيَ بِهِ مَا لَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ، وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ؟ لَا يَبْعُدُ نَعَمْ وِفَاقًا لَمْ ر، وَمَشَى أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ جُبِّرَ بِعَظْمٍ نَجِسٍ حَيْثُ يَجُوزُ وَلَمْ يَسْتَتِرْ بِاللَّحْمِ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَلَا يُنَجَّسُ مَاءُ طَهَارَتِهِ وَنَحْوُهَا إذَا مَرَّ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِتَارِهِ بِاللَّحْمِ وَلَا الرَّطْبُ إذَا لَاقَاهُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ صَالِحٍ) أَيْ أَوْ بِمُغَلَّظٍ مَعَ وُجُودِ نَجَسٍ صَالِحٍ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُهُ إذَا كَانَ الْمَقْلُوعُ مِنْهُ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ وَصَلَهُ ثُمَّ جُنَّ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ إلَّا إذَا أَفَاقَ أَوْ حَاضَتْ لَمْ يُجْبَرْ إلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي عَدَمِ النَّزْعِ إذَا مَاتَ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ انْتَهَى حَاشِيَةُ الرَّمْلِيِّ عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا لَاقَى مَانِعًا أَوْ مَاءً قَلِيلًا نَجَّسَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ وُجُوبُ النَّزْعِ لِعَدَمِ مُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلَاةِ.
هَذَا وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ النَّزْعِ عَلَى وَلِيِّهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ فِي حَقِّهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفحة 23