كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ بِأَنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْهُ كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِوُقُوعِ الْقَلِيلِ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ إذْ جِنْسُ الدَّمِ مِمَّا يَتَطَرَّقُ لَهُ الْعَفْوُ، وَالْقَلِيلُ كَمَا فِي الْأُمِّ مَا تَعَافَاهُ النَّاسُ: أَيْ عَدُّوهُ عَفْوًا.
وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا لِسُهُولَةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ: قَلِيلُ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ مَا لَوْ كَانَ الْقَلِيلُ مُتَفَرِّقًا وَلَوْ جُمِعَ لَكَثُرَ، وَهُوَ الرَّاجِحُ: أَمَّا دَمُ الْمُغَلَّظِ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ، بَلْ نُقِلَ عَنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَيْضًا وَلَوْ لَطَّخَ نَفْسَهُ بِدَمِ أَجْنَبِيٍّ عَبَثًا لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا فَلَا يُنَاسِبُهُ الْعَفْوُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ) وَتَقَدَّمَ فِي النَّجَاسَةِ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا (كَالدَّمِ) فِيمَا ذُكِرَ لِكَوْنِهِمَا دَمًا مُسْتَحِيلًا إلَى نَتِنٍ وَفَسَادٍ (وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ وَالْمُتَنَفِّطِ الَّذِي لَهُ رِيحٌ) وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ قِيَاسًا عَلَى الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ (وَكَذَا بِلَا رِيحٍ) وَلَا تَغَيُّرِ لَوْنٍ (فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى الصَّدِيدِ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ كَالْعَرَقِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَرْجِيحِهِ بِقَوْلِهِ (قُلْت: الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ) قَطْعًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ ثُمَّ مَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ. فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ كَالْخَارِجِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ لِثَتِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فَجُرِحَ حَالَ حَلْقِهِ وَاخْتَلَطَ دَمُهُ بِبَلِّ الشَّعْرِ أَوْ حَكَّ نَحْوَ دُمَّلٍ حَتَّى أَدْمَاهُ لِيَسْتَمْسِكَ عَلَيْهِ الدَّوَاءَ ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSلَوْ كَانَ تَدَفُّقُهُ بِفِعْلِهِ بِأَنْ فَتَحَ الدُّمَّلَ فَخَرَجَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جُمِعَ لَكَثُرَ) لَا يُقَالُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ: أَيْ بَعْدَ ذِكْرِ الْقُلَّتَيْنِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَكَذَا فِي قَوْلٍ نَجِسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ أَدْرَكَهُ الطَّرْفُ عُفِيَ عَنْهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا عُرْفًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَثُرَ لِإِمْكَانِ مَحَلِّ مَا سَبَقَ عَلَى غَيْرِ الدَّمِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ جِنْسَ الدَّمِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ نَحْوُ الْبَوْلِ: أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، بِخِلَافِ الدَّمِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ، وَلَوْ كَانَ إذَا جُمِعَ كَثُرَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ) أَيْ فَيُعْفَى عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَتَنَاهَ فِي الْقِلَّةِ إلَى حَدٍّ لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ الْمُعْتَدِلُ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ لَا يُنَجَّسُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُغَلَّظٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَطَّخَ نَفْسَهُ) بِأَنْ مَسَّ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ بِذَلِكَ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: لَطَّخَ ثَوْبَهُ بِالْمِدَادِ وَغَيْرِهِ لَطْخًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةٌ. انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: وَالصَّدِيدُ) قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: صَدِيدُ الْجُرْحِ: مَاؤُهُ الرَّقِيقُ الْمُخْتَلِطُ بِالدَّمِ قَبْلَ أَنْ تَغْلُظَ الْمِدَّةُ. انْتَهَى. وَالْمِدَّةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ: كَالدَّمِ) أَيْ الْخَارِجِ مِنْ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَالْبَثَرَاتِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ) خِلَافًا لحج: أَيْ غَيْرُ ضَرُورِيِّ الْحُصُولِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ وَنَحْوَهُ لَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَمِ الْعَفْوِ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ الْعَفْوِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ وَنَحْوِ مَاءِ وُضُوءٍ وَغَسْلٍ وَحَلْقٍ، وَمِنْهُ ثُمَّ وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّهُ ضَرْبٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَحَلْقٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَقَدْ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَنْفِيَ عَنْ مَاءِ الْحَلْقِ إذَا أَصَابَ مَا فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ رَأْسِهِ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ، وَمَا هُنَا مَفْرُوضٌ فِي دَمِ الْجِرَاحَةِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ الْحَلْقِ فَلَا تَخَالُفَ، وَالْأَقْرَبُ الْعَفْوُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ مِنْ الْجُرْحِ أَوْ الْبَرَاغِيثِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، بَلْ الْعَفْوُ عَنْ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَفْوِ عَنْ الْبُصَاقِ فِي كُمِّهِ الَّذِي فِيهِ دَمُ الْبَرَاغِيثِ (قَوْلُهُ: حَتَّى أَدْمَاهُ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهِ لُصُوقًا مِنْ غَيْرِ حَكٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ) عِبَارَتُهُ وَمَا انْفَصَلَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ فَأَجْنَبِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ فَكَدَمَ الْأَجْنَبِيَّ، فَلَا يُعْفَى بِنَاءً عَلَى مَا سَلَكَهُ هُوَ فِي تَقْرِيرِهِ مِنْ جَعْلِهِ قَوْلَهُ فَلَا يُعْفَى رَاجِعًا إلَى الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ جَمِيعًا، وَكَذَا إنْ جَعَلْنَاهُ رَاجِعًا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ كَمَا سَلَكَهُ الْجَلَالُ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إنْ جَعَلْنَاهُ رَاجِعًا لِلْمُشَبَّهِ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَرْجِيحِهِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْقَطْعِ كَمَا أَشَارَ هُوَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ قَطْعًا وَإِنْ كَانَتْ مُوَافَقَةً لِلْقَوْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ) أَيْ

الصفحة 33