كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

ذَرَّهُ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(وَلَوْ) (صَلَّى بِنَجَسٍ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ (لَمْ يَعْلَمْهُ) حَالَ ابْتِدَائِهِ لَهَا ثُمَّ عَلِمَ كَوْنَهُ فِيهَا (وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَا تَسْقُطُ بِالْجَهْلِ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاك أَلْقَيْت نَعْلَيْك فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا» . وَفِي رِوَايَةٍ: خَبَثًا، وَفِي أُخْرَى: قَذَرًا وَأَذًى، وَفِي أُخْرَى: دَمَ حَلَمَةٍ " وَجْهُ الدَّلَالَةِ عَدَمُ اسْتِئْنَافِهِ لِلصَّلَاةِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْقَذَرَ هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَقْذَرُ نَجِسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الدَّمُ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ تَنْزِيهًا. وَقِيلَ إنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَمِنْ حِينَئِذٍ وَجَبَ، وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ «سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ وَلَمْ يَقْطَعْهَا» (وَإِنْ عَلِمَ) بِالنَّجَسِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا (ثُمَّ نَسِيَ) فَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي وَقْتِهَا أَعَادَهَا فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ (وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ) بِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِهَا لَمَّا عَلِمَ بِهَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ لِعُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ وَحَيْثُ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ أَعَادَ حَتْمًا كُلَّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ فِعْلَهَا مَعَ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ احْتَمَلَ وُجُودَهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا إذْ الْأَصْلُ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ وَالْأَصْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَاخْتَلَطَ مَا عَلَى اللُّصُوقِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الدُّمَّلِ وَنَحْوِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهُ ضَرُورِيٌّ لِلْعِلَاجِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلِمَ كَوْنَهُ) أَيْ وُجُودَهُ (قَوْلُهُ: وَجَبَ الْقَضَاءُ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ انْتَهَى. أَقُولُ: فِي إطْلَاقِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَغْلِيبٌ، إذْ الْإِعَادَةُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ حَجّ: الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ مَا يَشْمَلُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ سم عَلَيْهِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الصُّورَتَيْنِ يَعْنِي هَذِهِ، وَمَا بَعْدَهَا عَلَى التَّرَاخِي انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوهُ فِي الصَّوْمِ مِنْ أَنَّ مَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَوْرًا. وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي إمَّا بِإِمْعَانِ النَّظَرِ أَوْ بِالْبَحْثِ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَرَهُ وَلَا أُخْبِرَ بِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ الشَّهْرِ نُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُنْسَبْ إلَى تَقْصِيرٍ؛ لِأَنَّهُ مَعَ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالنَّجَاسَةِ مَعْذُورٌ، إذْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ ثِيَابِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِيهَا بَلْ يُعْمَلُ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا مِنْ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: حَدِيثُ سَلَا إلَخْ) أَيْ حَدِيثُ وَضْعِ سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ إلَخْ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا فِي الْكَرِشِ مِنْ الْقَذَرِ، لَكِنْ فِي الصِّحَاحِ: السَّلَا بِالْفَتْحِ مَقْصُورًا: الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْوَلَدُ مِنْ الْمَوَاشِي (قَوْلُهُ: كُلُّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ فِعْلَهَا مَعَ النَّجَاسَةِ) أَيْ فَلَوْ فَتَّشَ عِمَامَتَهُ فَوَجَدَ فِيهَا قِشْرُ قَمْلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا تَيَقَّنَ إصَابَتَهُ فِيهَا. اهـ. شَيْخُنَا زِيَادِيُّ بِهَامِشٍ.
وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ الْعَفْوُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْمَرُ بِتَفْتِيشِهَا. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ الَّذِي يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَيَسِيرِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَغُبَارِ السِّرْجِينِ وَشَعْرِ نَحْوِ الْحِمَارِ فَقِيَاسُ ذَلِكَ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي عُلِمَ وُجُودُهُ فِيهَا، بَلْ الِاحْتِرَازُ فِي هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ مَا مَرَّ اسْتِثْنَاؤُهُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَمَا مَرَّ غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ.

(قَوْلُهُ: حَالَ ابْتِدَائِهِ) لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِالِابْتِدَاءِ وَهَلَّا أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ فِيهَا أَوْ نَحْوِهِ لِيَصْدُقَ بِمَا إذَا عَلِمَ فِي الْأَثْنَاءِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْتِهَا أَوْ قَبْلَهُ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ وَمَا صُورَتُهُ

الصفحة 34