كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

عَدَمُ وُجُودِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَفَضْلُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ مَعَ وَعْدِهِ بِرَفْعِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ عَنْ الْأُمَّةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَفِي الْأَنْوَارِ وَنَحْوِهِ.
وَيَلْزَمُهُ تَعْلِيمُ مَنْ رَآهُ يُخِلُّ بِوَاجِبِ عِبَادَةٍ فِي رَأْيِ مُقَلِّدِهِ كِفَايَةً إنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَعَيْنًا. نَعَمْ إنْ قُوبِلَ ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ رِوَايَةً بِنَحْوِ نَجَسٍ أَوْ كَشْفِ عَوْرَةٍ مُبْطِلٍ لَزِمَهُ قَبُولٌ، أَوْ بِنَحْوِ كَلَامٍ مُبْطِلٍ فَلَا كَمَا يَدُلُّ كَلَامُهُمْ عَلَيْهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِعْلَ نَفْسِهِ لَا مَرْجِعَ فِيهِ لِغَيْرِهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يُبْطِلُ سَهْوَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا مَا هُوَ كَالْفِعْلِ أَوْ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ فَيَنْبَغِي قَبُولُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالنَّجِسِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى نَاسِيًا لِلطَّهَارَةِ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ دُونَ فِعْلِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ هُنَا.

فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا (تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِالنُّطْقِ) عَمْدًا بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلُغَةِ الْعَرَبِ (بِحَرْفَيْنِ) وَلَوْ مِنْ حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَشَقُّ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْ دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَضَاءِ) أَيْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقُلْنَا بِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا مَرَّ عَنْ سم (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ) أَيْ وَلَمْ يَعْلَمْ: أَيْ الرَّائِي مِنْهُ: أَيْ مِنْ الْغَيْرِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يُرْشِدُهُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَّا فَيَصِيرُ فِي حَقِّهِ عَيْنًا؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ ذُكِرَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ قَبُولُهُ) وَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ عُدُولٌ فِي أَنَّهُ كُشِفَتْ عَوْرَتُهُ أَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْمُخْبِرِ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ أَوْ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَإِنْ كَثُرَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالنَّجَسِ) هَذَا لَا يُنَاسِبُ فَرْقَهُ السَّابِقَ بِأَنَّ فِعْلَ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ فِيهِ لِغَيْرِهِ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي أَسْبَابِ الْحَدَثِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ لَا يُنْتَقَضُ طُهْرُهُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ.

(فَصْلٌ) فِي ذِكْرِ بَعْضِ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ حِكْمَةُ ذِكْرِ هَذَا الْفَصْلِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهَا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الشُّرُوطِ أَبْطَلَهَا (قَوْلُهُ: وَسُنَنِهَا) أَيْ وَبَعْضِ سُنَنِهَا: أَيْ مَا يُسَنُّ فِعْلُهُ فِيهَا أَوَّلُهَا وَلَيْسَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَمَكْرُوهَاتِهَا) مَعْطُوفٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَى مُبْطِلَاتِ (قَوْلُهُ: بِالنُّطْقِ) أَيْ مِنْ الْجَارِحَةِ الْمَخْصُوصَةِ دُونَ غَيْرِهَا كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ مَثَلًا، فَلَا تَبْطُلُ بِالنُّطْقِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْبُطْلَانُ بِذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ أَنْفٍ أَوْ فَمٍ.
وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ خَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ عَنْ م ر أَنَّهُ إذَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ قُوَّةَ النُّطْقِ وَصَارَ يَتَمَكَّنُ صَاحِبُهَا مِنْ النُّطْقِ بِهَا اخْتِيَارًا مَتَى أَرَادَ وَيَتْرُكُ ذَلِكَ مَتَى أَرَادَ كَانَ ذَلِكَ كَنُطْقِ اللِّسَانِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِنُطْقِهِ بِذَلِكَ بِحَرْفَيْنِ. انْتَهَى. وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْعُضْوِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ تِلْكَ الْقُوَّةُ جَمِيعَ أَحْكَامِ اللِّسَانِ حَتَّى لَوْ قَرَأَ بِهِ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ كَفَى، وَكَذَا لَوْ تَعَاطَى بِهِ عَقْدًا أَوْ حَلًّا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَقْدِ وَالْحَلِّ لَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَهِيَ صَرِيحَةٌ مِنْ الْأَخْرَسِ إنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ حَدِيثٍ) إنَّمَا أَخْذُهُ غَايَةٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِهِ؛ لِكَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي وَجْهِ دُخُولِهِ فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَعَلَّهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ الْمَخْلُوقُ، وَالْقُرْآنُ لَمَّا كَانَ مُعْجِزًا خَارِجًا عَنْ طَوْقِ الْبَشَرِ خُصَّ بِكَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ شَارَكَهُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ فِي أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا] [تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالنُّطْقِ عَمْدًا بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ]
فَصْلٌ

الصفحة 35