كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

تَوَالَيَا فِيمَا يَظْهَرُ قِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْأَفْعَالِ أَفْهَمَا أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، إذْ أَقَلُّ مَا يُبْنَى مِنْهُ الْكَلَامُ حَرْفَانِ، وَتَخْصِيصُهُ بِمُفْهِمٍ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِلنُّحَاةِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ» وَرُوِيَ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ قَالَ لِعَاطِسٍ يَرْحَمُك اللَّهُ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» (أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ) كَقِ مِنْ الْوِقَايَةِ، وَعِ مِنْ الْوَعْيِ، وَفِ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ حَجّ: وَكَالْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ اهـ. وَتَبْطُلُ أَيْضًا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَإِنْ عُلِمَ عَدَمُ تَبَدُّلِهِمَا كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ: م بِحَرْفَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ.
(قَوْلُهُ: أَفْهَمَا أَوْ لَا) أَيْ وَلَوْ كَانَا غَيْر مُسْتَعْمَلَيْنِ كَأَوَعَ. انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِنَحْوِ رَذْ مَقْلُوبُ ذَرْ مِنْ الْمُهْمَلَاتِ، وَإِلَّا فَأَوْ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ: إذْ أَقَلُّ مَا يُبْنَى مِنْهُ الْكَلَامُ حَرْفَانِ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَالْكَلَامُ يَقَعُ عَلَى الْمُفْهِمِ وَغَيْرِهِ الَّذِي هُوَ حَرْفَانِ انْتَهَى. أَقُولُ: قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ حَرْفَانِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا اشْتَهَرَ فِي اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَفِي الرِّضَى مَا نَصُّهُ: الْكَلَامُ مَوْضُوعٌ لِجِنْسِ مَا كُرِهْت بِهِ سَوَاءٌ كَانَ كَلِمَةً عَلَى حَرْفٍ كَوَاوِ الْعَطْفِ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُهْمَلًا أَمْ لَا، ثُمَّ قَالَ: وَاشْتَهَرَ الْكَلَامُ لُغَةً فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ حَرْفَيْنِ فَصَاعِدًا انْتَهَى. (قَوْلُهُ: فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَى الْقُنُوتِ السُّكُوتُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ مَا يُصَرِّحُ بِهِ وَعِبَارَتُهُ: الْقُنُوتُ مَصْدَرُ قَنَتَ مِنْ بَابِ قَعَدَ الدُّعَاءُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ وَدُعَاءُ الْقُنُوتِ» أَيْ دُعَاءُ الْقِيَامِ، وَيُسَمَّى السُّكُوتُ فِي الصَّلَاةِ قُنُوتًا وَمِنْهُ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] . انْتَهَى.
وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ ذَاكِرِينَ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ: أَيْ عَنْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَيْضًا إلَخْ) أَتَى بِهِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ قَالَ لِعَاطِسٍ) وَاسْمُ الْقَائِلِ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ انْتَهَى شَرْحُ رَوْضٍ (قَوْلُهُ: أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ أُطْلِقَ فَلَمْ يُقْصَدْ الْمَعْنَى الَّذِي بِاعْتِبَارِهِ صَارَ مُفْهِمًا وَلَا غَيْرَهُ وَقَدْ يُقَالُ: قَصْدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَازِمٌ لِشَرْطِ الْبُطْلَانِ، وَهُوَ التَّعَمُّدُ، وَعِلْمِ التَّحْرِيمِ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ الْوِقَايَةِ عَدَمُ الضَّرَرِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ تُحْمَلُ عَلَى كَوْنِهَا مِنْ الْوِقَايَةِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْقَافَ الْمُفْرَدَةَ وُضِعَتْ لِلطَّلَبِ، وَالْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ إذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى مَعَانِيهَا وَلَا تُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَالْقَافُ مِنْ الْفَلَقِ وَنَحْوِهِ جُزْءُ كَلِمَةٍ لَا مَعْنَى لَهَا، فَإِذَا نَوَاهَا عَمِلَ بِنِيَّتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَنْوِهَا حُمِلَتْ عَلَى مَعْنَاهَا الْوَضْعِيِّ.
قَالَ حَجّ: وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِإِبْطَالِ زِيَادَةِ يَا قَبْلَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فِي التَّشَهُّدِ أَخْذًا بِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ هُنَا، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الذِّكْرِ بَلْ يُعَدُّ مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَا بُطْلَانَ بِهِ. انْتَهَى حَجّ، وَأَقَرَّهُ سم. وَقَوْلُهُ لَا بُطْلَانَ بِهِ: أَيْ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا (قَوْلُهُ: كَقِ مِنْ الْوِقَايَةِ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ لَحْنٌ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُؤَدِّ بِهِ مَا لَا يُفْهَمُ عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَوْ قَصَدَ بِالْمُفْهِمِ مَا لَا يُفْهَمُ كَأَنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ: ق الْقَافَ مِنْ الْعَلَقِ أَوْ الْفَلَقِ مَثَلًا قَالَ شَيْخُنَا طب إلَّا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ نَطَقَ بف قَاصِدًا بِهِ أَوَّلَ حَرْفٍ فِي لَفْظَةِ فِي فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. انْتَهَى سم عَلَى حَجّ.
وَلَوْ أَتَى بِحَرْفٍ لَا يُفْهَمُ قَاصِدًا بِهِ مَعْنَى الْمُفْهِمِ هَلْ يَضُرُّ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَدَمُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلْإِفْهَامِ، وَنُقِلَ فِي الدَّرْسِ بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ م ر مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدْ يُقَالُ بِالضَّرَرِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ مَا يُفْهَمُ يَتَضَمَّنُ قَطْعَ النِّيَّةِ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَ مَا لَا يُفْهَمُ فِي مَعْنَى مَا يُفْهَمُ صَارَ كَالْكَلِمَةِ الْمَجَازِيَّةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ، وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَضَمُّنِهِ قَطْعَ النِّيَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذْ أَقَلُّ مَا يُبْنَى مِنْهُ الْكَلَامُ حَرْفَانِ) أَيْ غَالِبًا كَمَا قَالَ الشِّهَابُ حَجّ احْتِرَازًا عَمَّا وُضِعَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ

الصفحة 36