كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

عَمَّنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْضًا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الضَّابِطَ لِذَلِكَ أَنَّ مَا عُذِرَ الشَّخْصُ لِجَهْلِهِ بِهِ وَخَفَائِهِ عَلَى غَالِبِهِمْ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا إنَّمَا هُوَ تَعَلُّمُ الظَّوَاهِرِ لَا غَيْرُ، وَخَرَجَ بِجَهِلَ تَحْرِيمِهِ مَا لَوْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَ كَوْنَهُ مُبْطِلًا فَتَبْطُلُ بِهِ كَمَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ دُونَ إيجَابِهِ الْحَدَّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، إذْ حَقُّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ الْكَفُّ.
وَلَوْ سَلَّمَ إمَامُهُ فَسَلَّمَ مَعَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُومُ قَدْ سَلَّمْت قَبْلَ هَذَا فَقَالَ كُنْت نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِوُجُودِ الْكَلَامِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ. وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ ظَانًّا تَمَامَ صَلَاتِهِ فَكَالْجَاهِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ (لَا) فِي (كَثِيرِهِ) فَلَا يُعْذَرُ فِيهِ فِيمَا مَرَّ (فِي الْأَصَحِّ) وَتَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ نَظْمَهَا، وَهَيْئَتَهَا؛ وَلِأَنَّ السَّبْقَ وَالنِّسْيَانَ فِي الْكَثِيرِ نَادِرٌ. وَالثَّانِي يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبْطِلَ كَثِيرُهُ لَأُبْطِلَ قَلِيلُهُ كَالْعَمْدِ وَيُرْجَعُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِلْعُرْفِ.

(وَ) يُعْذَرُ (فِي) الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ (التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا مَرَّ كَسُعَالٍ وَعُطَاسٍ، وَإِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ، وَلَوْ مِنْ كُلِّ نَحْوِ نَفْخَةٍ (لِلْغَلَبَةِ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ لِلْجَمِيعِ (وَتَعَذُّرُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ) وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا مِنْ الْأَرْكَانِ الْقَوْلِيَّةِ الْوَاجِبَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِلتَّنَحْنُحِ، فَإِنْ كَثُرَ فِي التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ وَظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ فَأَكْثَرُ وَكَثُرَ عُرْفًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَاهُ فِي الضَّحِكِ وَالسُّعَالِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا لِقَطْعِ ذَلِكَ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةٍ لَمْ يَصِرْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مَرَضًا مُزْمِنًا، فَإِنْ صَارَ كَذَلِكَ بِحَيْثُ لَمْ يَخْلُ زَمَنٌ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSظَنَّ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا مَا تَعَلَّمَهُ مِنْهُمْ وَكَانَ فِي الْوَاقِعِ مَا تَعَلَّمَهُ غَيْرُ كَافٍ فَمَعْذُورٌ، وَإِنْ تَرَكَ السَّفَرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمَارِّ) أَيْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ إلَخْ، بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ احْتِمَالِ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ) لَكِنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا كَوْنِهِ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ الظَّوَاهِرِ فَلَا يُعْذَرُ بَعِيدُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِجَهْلِ تَحْرِيمِهِ مَا لَوْ عَلِمَهُ) وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فَظَنَّ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ ثَمَّ عَامِدًا ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ فَعُذِرَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ حَيْثُ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فَلَمْ يُعْذَرْ (قَوْلُهُ: كُنْت نَاسِيًا) أَيْ نَاسِيًا لِشَيْءٍ مِنْ صَلَاتِي كَبَعْضِ التَّشَهُّدِ مَثَلًا فَتَدَارَكْته وَسَلَّمْت ثَانِيًا (قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ) أَيْ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَإِلَّا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: فَكَالْجَاهِلِ) أَيْ فَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِهِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ لِإِمَامِهِ قَدْ سَلَّمْت (قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ) أَيْ فِيمَا لَوْ سَبَقَ لِسَانَهُ أَوْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَهُ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَتَنَحْنَحُ فَوْرًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ انْتِظَارُ زَوَالِهِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَبَرَ قَلِيلًا زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ الْعَارِضُ بِنَفْسِهِ، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي السُّعَالِ مِنْ وُجُوبِ الِانْتِظَارِ حَيْثُ رَجَى زَوَالُهُ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ الْأَوْلَى، وَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ الْمُوَالَاةُ (قَوْلُهُ: الْوَاجِبَةِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُمَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْأَرْكَانِ الْقَوْلِيَّةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِغَيْرِ الرُّكْنِ، وَإِنْ نَذَرَهُ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ بَعْدُ إذْ هُوَ سُنَّةٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَخْ خِلَافُهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ هُنَا مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ، وَالسُّورَةُ وَلَوْ نَذَرَهَا لَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا مَعَ عِلْمِهِ بِهَا لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَثُرَ فِي التَّنَحْنُحِ) الْأَوْلَى حَذْفُ فِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْبُطْلَانُ (قَوْلُهُ: مُزْمَنًا) بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ صِفَةٌ لِلْمَرَضِ: أَيْ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا. وَفِي الْمِصْبَاحِ: زَمِنَ الشَّخْصُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ فِيهَا وَإِنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ جِنْسِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ وَتَكَلَّمَ يَسِيرًا عَمْدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْيَسِيرِ عُرْفًا) أَيْ فِي الْغَلَبَةِ بِخِلَافِ تَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَكَثُرَ عُرْفًا) أَيْ مَا ظَهَرَ مِنْ الْحُرُوفِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَمْ يَخْلُ زَمَنٌ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ خُلُوُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ الْآتِي

الصفحة 39