كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلِّي وَالْخَطِّ مِنْهُمَا أَعْلَاهُمَا، وَيَدْفَعُ بِالتَّدْرِيجِ كَالصَّائِلِ، وَإِنْ أَدَّى دَفْعُهُ إلَى قَتْلِهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِأَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ وَلَا يَحِلُّ الْمَشْيُ إلَيْهِ لِدَفْعِهِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ الْمُرُورَ مُخْتَلَفٌ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا يُنْكَرُ إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْإِنْكَارُ حَيْثُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى فَوَاتِ مَصْلَحَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ أَدَّى إلَى فَوَاتِهَا أَوْ الْوُقُوعِ فِي مَفْسَدَةٍ أُخْرَى لَمْ يَجِبْ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي مَحَلِّهِ، وَهُنَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالدَّفْعِ لَفَاتَتْ مَصْلَحَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَتَرْكُ الْعَبَثِ فِيهَا، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، وَالْأَسْهَلُ هُوَ الْكَلَامُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، فَلَمَّا انْتَفَى سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ بِالْفِعْلِ، وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ تَحَقُّقِ ارْتِكَابِ الْمَفْسَدَةِ لَا الْإِثْمِ، وَهَهُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ غَافِلًا أَوْ أَعْمَى، وَلِأَنَّ إزَالَةَ الْمُنْكَرِ إنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانَ لَا يَزُولُ إلَّا بِالنَّهْيِ، وَالْمُنْكَرُ هُنَا يَزُولُ بِانْقِضَاءِ مُرُورِهِ (وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ حِينَئِذٍ: أَيْ عِنْدَ سَنِّ دَفْعِهِ، وَهُوَ فِي صَلَاةٍ صَحِيحَةٍ فِي اعْتِقَادِ الْمُصَلِّي فِيمَا يَظْهَرُ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَنَّ حَجّ قَيَّدَ الْغَيْرَ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلِّي وَالْخَطِّ مِنْهُمَا أَعْلَاهُمَا) أَيْ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى فَرْوَةٍ مَثَلًا وَكَانَ إذَا سَجَدَ يَسْجُدُ عَلَى مَا وَرَاءَهَا مِنْ الْأَرْضِ لَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ تَقْدِيمِ الْفَرْوَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى مَوْضِعِ جَبْهَتِهِ وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ عَلَى الْفَرْوَةِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ أَعْلَاهُمَا كَذَا فِي الْمَحَلِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ طَالَ الْمُصَلِّي أَوْ الْخَطُّ فَكَانَ بَيْنَ قَدَمِ الْمُصَلِّي وَأَعْلَاهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةً مُعْتَبَرَةً حَتَّى لَا يَحْرُمَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ يُعْتَبَرُ مِنْهَا مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ إلَى قَدَمِهِ وَيَجْعَلُهُ سُتْرَةً وَيَلْغَى حُكْمُ الزَّائِدِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ م ر فِيهِ، وَمَالَ بِالْفَهْمِ إلَى أَنَّهُ يُقَالُ مَا ذُكِرَ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُتَقَوَّلِ الْأَوَّلُ فَلْيُحْرَرْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. أَقُولُ: ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّرَدُّدِ ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ بَسَطَ نَحْوَ بِسَاطٍ طَوِيلٍ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ. أَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْحُصْرِ الْمَفْرُوشَةِ فِي الْمَسَاجِدِ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ شَيْءٌ مِنْهَا سُتْرَةً حَتَّى لَوْ وَقَفَ فِي وَسَطِ حَصِيرٍ وَكَانَ الَّذِي أَمَامَهُ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السُّتْرَةِ تَنْبِيهُ الْمَارِّ عَلَى احْتِرَامِ الْمَحَلِّ بِوَضْعِهَا، وَهَذِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِدَوَامِ فَرْشِهَا فِي الْمَحَلِّ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا التَّنْبِيهُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ) فِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ إنْكَارُ مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ يَرَى الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ وَالْمَارُّ هُنَا يَرَى حُرْمَةَ الْمُرُورِ.
(قَوْلُهُ: يَزُولُ بِانْقِضَاءِ مُرُورِهِ) يُتَأَمَّلُ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: هَذَا جَارٍ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ ضَرْبَ غَيْرِهِ ضَرْبَةً تَعَدِّيًا الْمُنْكَرُ يَزُولُ بِالْفَرَاغِ مِنْ تِلْكَ الضَّرْبَةِ، كَمَا أَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا تَزُولُ بِانْتِهَاءِ الْمُرُورِ، وَقَدْ يُقَالُ: الضَّرْبُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَعَاصِي لَا يَكْتَفِي فَاعِلُهُ بِمَرَّةٍ كَالسَّيِّدِ إذَا ضَرَبَ عَبْدَهُ عَلَى فِعْلٍ خَالَفَ غَرَضَهُ فِيهِ لَا يَكْتَفِي بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ وَلَا ثِنْتَيْنِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْمَعَاصِي، بِخِلَافِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدِي الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَعَهُ الْمُرُورُ وَبِالنَّظَرِ لِذَلِكَ، فَالْمَعَاصِي كُلُّهَا كَأَنَّهَا لَا تَنْقَضِي بِفَعْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَعْصِيَةَ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّ الْفَاعِلَ لَهَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَرَّةٍ، فَالْمُرُورُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْ فَاعِلِهِ، بِخِلَافِ فَاعِلِ الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكَرِّرُهَا وَقَدْ يَتَعَدَّى فَيَزِيدُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: وَيَلْحَقُ بِالْمُرُورِ جُلُوسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَدُّهُ رِجْلَيْهِ وَاضْطِجَاعُهُ. اهـ بِالْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ وَمَدُّهُ رِجْلَيْهِ وَمِثْلُهُ مَدُّ يَدِهِ لِيَأْخُذَ مِنْ خِزَانَتِهِ مَتَاعًا؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُهُ وَرُبَّمَا شَوَّشَ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ: فِي اعْتِقَادِ الْمُصَلِّي) سَيَأْتِي لَهُ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الْمُصَلِّي وَالْمَارِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلِّي وَالْخَطُّ مِنْهُمَا أَعْلَاهُمَا) لَعَلَّ الْبَاءَ فِيهِ بِمَعْنَى فِي لِيَتَأَتَّى قَوْلُهُ مِنْهُمَا وَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَالْمُرَادُ فِي مَسْأَلَتَيْ الْمُصَلِّي وَالْخَطِّ إلَخْ، وَيَنْحَلُّ الْكَلَامُ إلَى قَوْلِنَا وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُصَلِّي وَالْخَطِّ فِي مَسْأَلَتَيْهِمَا أَعْلَاهُمَا (قَوْلُهُ: فِي اعْتِقَادِ الْمُصَلِّي) هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي غَيْرَ شَافِعِيٍّ وَالْمَارُّ شَافِعِيٌّ، كَأَنْ كَانَ الْمُصَلِّي حَنَفِيًّا مَسَّ امْرَأَةً مَثَلًا وَصَلَّى فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَأَنْ

الصفحة 54