كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

إكْرَامًا لِلْمَلَكِ وَلَمْ يُرَاعَ مَلَكُ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أُمُّ الْحَسَنَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا تَنَحَّى عَنْهُ مَلَكُ الْيَسَارِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْهَا إلَى مَحَلٍّ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَالْبُصَاقُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْقَرِينِ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَلَا يَبْصُقُ فِيهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ لِخَبَرِ «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» .
وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَيَحْصُلُ الْغَرَضُ وَلَوْ بِدَفْنِهَا فِي تُرَابِهِ أَوْ رَمْلِهِ، بِخِلَافِ الْمِيَاهِ فَدَلْكُهَا فِيهِ لَيْسَ بِدَفْنٍ بَلْ زِيَادَةٌ فِي تَقْذِيرِهِ، وَيُسَنُّ تَطْيِيبُ مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ مِنْهُ مِنْ كَوْنِ الْبَصْقِ مُحَرَّمًا فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي دَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي كَمَا مَرَّ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الدَّلْكِ إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَصْلًا، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ الْحُرْمَةَ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ فِيهِ إنْ بَقِيَ جُرْمُهُ لَا إنْ اسْتَهْلَكَ فِي نَحْوِ مَاءِ مَضْمَضَةٍ وَأَصَابَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِ دُونَ هَوَائِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْفَاعِلُ دَاخِلَهُ أَمْ خَارِجَهُ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ التَّقْذِيرُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي ذَلِكَ كَالْفَصْدِ فِي إنَاءٍ أَوْ عَلَى قُمَامَةٍ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَاجَةٌ وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي هَوَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنْ أَجْزَائِهِ، وَأَنَّ الْفَصْدَ مُقَيَّدٌ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيهِ مَرْدُودٌ وَيَجِبُ إخْرَاجُ نَجِسٍ مِنْهُ فَوْرًا عَيْنًا عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالصُّورَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: جِهَةُ الْقِبْلَةِ أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهَا فَرُوعِيَتْ (قَوْلُهُ: إكْرَامًا لِلْمَلَكِ) هَذِهِ الْحِكْمَةُ لَا تَظْهَرُ فِي الْبُصَاقِ خَارِجَهَا (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْقَرِينِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُفَارِقُهُ فِي الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَحَكَّ بَعْضَهُ) أَيْ لِتَزُولَ صُورَتُهُ وَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: وَكَفَّارَتُهَا) أَيْ فَهِيَ دَافِعَةٌ لِابْتِدَاءِ الْإِثْمِ وَدَوَامِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ الْغَرَضُ) أَيْ، وَهُوَ كَفَّارَتُهَا (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ تَطْيِيبُ مَحَلِّهِ) أَيْ بِنَحْوِ مِسْكٍ أَوْ زَبَادٍ أَوْ بَخُورٍ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَفْعُ السَّيِّئَةِ بِفِعْلِ حَسَنَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ مِنْهُ) أَيْ وَاكْتَفَى بِالدَّفْنِ لِلِاخْتِلَافِ إلَخْ مَحَلُّ عَدَمِ الْوُجُوبِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ بِبَقَائِهِ تَقْدِيرٌ لِلْمَسْجِدِ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَلَكِنْ تَجِبُ إزَالَتُهُ: أَيْ الْبُصَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ م ر (قَوْلُهُ: لِلِاخْتِلَافِ فِي تَحْرِيمِهِ) فِيهِ مَا مَرَّ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ لِلِاخْتِلَافِ إلَخْ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْإِنْكَارِ عَلَى فَاعِلِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: يَقْطَعُ الْحُرْمَةَ) وَيُحْتَمَلُ انْقِطَاعُهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ بِالْخَطِيئَةِ عَلَى نَفْسِ الْفِعْلِ، فَقَوْلُهُ فِيهِ وَكَفَّارَتُهَا: أَيْ الْخَطِيئَةِ دَفْنُهَا صَرِيحٌ فِي تَكْفِيرِ الْخَطِيئَةِ عَلَى الْفِعْلِ فَتُرْفَعُ الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا. اهـ سم عَلَى حَجّ.
[فَرْعٌ] قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَكَذَا يُكْرَهُ عَمَلُ صِنَاعَةٍ فِيهِ: أَيْ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَثُرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الِاعْتِكَافِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ خَسِيسَةً تُزْرِي بِالْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَّخِذْ حَانُوتًا يَقْصِدُ فِيهِ بِالْعَمَلِ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ. اهـ. وَقَيَّدَ م ر قَوْلَهُ: وَلَمْ يَتَّخِذْهُ حَانُوتًا بِمَا إذَا صَارَ ذَلِكَ الِاتِّخَاذُ مُزْرِيًا بِهِ، قَالَ: وَلَا يُنَافِيهِ مُقَابَلَتُهُ بِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِزْرَاءَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ ذَاتِ الصَّنْعَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي.
[فَرْعٌ] سُئِلَ م ر عَنْ الْوُضُوءِ عَلَى حُصْرِ الْمَسْجِدِ أَيَحْرُمُ؟ فَقَالَ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزْرَاءً بِهِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَأَصَابَ جُزْءًا) عَطْفٌ عَلَى بَقِيَ لَا عَلَى اسْتَهْلَكَ كَمَا يُتَوَهَّمُ (قَوْلُهُ: فَوْرًا عَيْنًا عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ) أَيْ فَإِنْ أَخَّرَ حَرُمَ عَلَيْهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ عَنْ يَمِينِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: إكْرَامًا لِلْمَلَكِ) إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَقْفَةً إنْ لَمْ تَكُنْ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ حَجّ: وَلَا بُعْدَ فِي مُرَاعَاةِ مِلْكِ الْيَمِينِ دُونَ مِلْكِ الْيَسَارِ إظْهَارًا لِشَرَفِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَى فَاعِلِهِ) أَيْ بِشَرْطِهِ، وَهُوَ كَوْنُ الْفَاعِلِ

الصفحة 61