كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

وَالسَّهْوُ لُغَةً: نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ (سُجُودُ السَّهْوِ) الْآتِي (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ، وَلَوْ فِي نَافِلَةٍ سِوَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ سَهَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ جُبْرَانِ الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِثْلُهَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْمَسْنُونِ دُونَ الْمَفْرُوضِ، وَالْبَدَلُ إمَّا كَمُبْدَلِهِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» فَمَصْرُوفٌ عَنْ الْوُجُوبِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الْآتِي، وَإِنَّمَا وَجَبَ جُبْرَانُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ وَاجِبٍ فَكَانَ وَاجِبًا، وَإِنَّمَا يُسَنُّ (عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ) مِنْ الصَّلَاةِ، وَلَوْ احْتِمَالًا كَأَنْ شَكَّ هَلْ فَعَلَهُ أَمْ لَا (أَوْ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ) فِيهَا وَلَوْ بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي.

وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ مَا لَوْ شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَإِنَّ سُجُودَهُ بِفَرْضِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَبِفَرْضِهَا لِفِعْلِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِيهَا فَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُمَا (فَالْأَوَّلُ) مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ الْمَتْرُوكُ (إنْ كَانَ رُكْنًا وَجَبَ تَدَارُكُهُ) بِفِعْلِهِ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَوَقُّفِ وُجُودِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهِ (وَقَدْ يُشْرَعُ) (السُّجُودُ) لِلسَّهْوِ مَعَ تَدَارُكِهِ (كَزِيَادَةٍ) بِالْكَافِ (حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ) بَيَانُ ذَلِكَ (فِي) رُكْنِ (التَّرْتِيبِ) وَقَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: عَنْ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: سُجُودُ السَّهْوِ) قَالَ سم عَلَى حَجّ: هُوَ أَعْنِي السَّهْوَ جَائِزٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، بِخِلَافِ النِّسْيَانِ لِأَنَّهُ نَقْصٌ، وَمَا فِي الْأَخْبَارِ مِنْ نِسْبَةِ النِّسْيَانِ إلَيْهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَالْمُرَادُ بِالنِّسْيَانِ فِيهِ السَّهْوُ.
وَفِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ: بِأَنَّ الْأَوَّلَ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنْ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ. وَالنِّسْيَانُ زَوَالُهَا عَنْهُمَا مَعًا فَيَحْتَاجُ فِي حُصُولِهَا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: سِوَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ فِيهَا بَلْ إنْ فَعَلَهُ فِيهَا عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا لَوْ سَهَا إلَخْ) فِي دَعْوَى الشُّمُولِ مُسَامَحَةً؛ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ مُلْحَقٌ بِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ) أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْمَسْنُونِ) أَيْ قَدْ يَنُوبُ إلَخْ وَقَدْ لَا يَنُوبُ كَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ) هَذَا عِلْمٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَالْبَدَلُ إمَّا كَمُبْدَلِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ) أَيْ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا لِيَسْجُدَ أَمْ لَا كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ. اهـ شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ.
وَنُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ الشَّارِحِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهُ بِقَصْدِ السُّجُودِ ثُمَّ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ بِقَصْدِ السُّجُودِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ بِسُجُودِهِ. أَقُولُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ حَصَلَ خَلَلٌ فِي صَلَاتِهِ يَقْتَضِي الْجَبْرَ. وَبِقِرَاءَةِ الْآيَةِ لَمْ يَحْصُلْ مَا يَقْتَضِي السُّجُودَ إلَّا نَفْسَ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَتَرْكُ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهَا لَكِنْ حَصَلَ بِهِ خَلَلٌ بَاقٍ يَحْتَاجُ إلَى الْجَبْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَاةِ) خَرَجَ بِهِ قُنُوتُ النَّازِلَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ احْتِمَالًا الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ بَعْضًا مُعَيَّنًا سَجَدَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ عَلَى مَا يَأْتِي

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ سُجُودَهُ) الْفَاءُ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: بِالْكَافِ) اُحْتُرِزَ عَمَّا لَوْ قَرَأَ بِاللَّامِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الزِّيَادَةَ تَارَةً يُشْرَعُ مَعَهَا السُّجُودُ وَتَارَةً لَا، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالسَّهْوُ لُغَةً: نِسْيَانُ الشَّيْءِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِهِ فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّ السَّهْوَ الْغَفْلَةُ عَنْ الشَّيْءِ مَعَ بَقَائِهِ فِي الْحَافِظَةِ فَيُتَنَبَّهُ لَهُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ.
وَالنِّسْيَانُ زَوَالُ الشَّيْءِ عَنْ الْحَافِظَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ تَحْصِيلٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ ذَلِكَ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ مَعَ مَا أَعْقَبَهُ بِهِ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالصَّلَاةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْمَسْنُونِ) فِيهِ قُصُورٌ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُبْ عَنْ وَاجِبٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ عَقِبَهُ، وَلَا يَرِدُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ مَا لَوْ شَكَّ إلَخْ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا ذُكِرَ فَهُوَ كَافٍ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِيرَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَوَابٍ آخَرَ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي جَوَابِهِ الْآتِي فَإِنَّ سُجُودَهُ بِفَرْضِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ الْمَأْمُورَ بِهِ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّ

الصفحة 66