كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

وَصَلَّى بِكُلٍّ رَكْعَةً أَوْ فِرْقَتَيْنِ وَصَلَّى بِوَاحِدَةٍ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِمُخَالَفَتِهِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ الْوَارِدِ فِيهِ، وَلَيْسَ مِنْهَا زِيَادَةُ الْقَاصِرِ أَوْ مُصَلٍّ نَفْلًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ سَهْوٍ؛ لِأَنَّ عَمْدَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ فَهُوَ مِنْ الْقَاعِدَةِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ بَسْمَلَ أَوَّلَ تَشَهُّدِهِ لَمْ يُسَنَّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَمَلًا بِقَاعِدَتِهِمْ مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ: مِعْيَارُ الْعُمُومِ بَلْ قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ فِي الْأَوَّلِ سُنَّةٌ، وَكَذَا الْإِتْيَانُ بِبِسْمِ اللَّهِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ.
وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَأَفْتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ لَهُ فَإِنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، كَذَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ وَدَعْوَى صِحَّتِهِ بَعِيدَةٌ (وَلَوْ) (نَسِيَ) الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ (التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَهَا قُعُودَهُ (فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ) أَيْ وُصُولِهِ لِحَدٍّ يُجْزِئُهُ فِي قِيَامِهِ (لَمْ يَعُدْ لَهُ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ؛ لِمَا صَحَّ مِنْ الْأَخْبَارِ؛ وَلِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ فِعْلِيٍّ فَلَا يَقْطَعُهُ لِسُنَّةٍ (فَإِنْ عَادَ) عَامِدًا (عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَهُوَ مُخِلٌّ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْقَوْلِيِّ لِنَفْلٍ كَالْفَاتِحَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: وَقُنُوتٌ بِنِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ وَالْقِرَاءَةُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِمَا قِيَاسًا عَلَى الْقُنُوتِ. اهـ.
وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّ التَّشَهُّدَ وَالْقِرَاءَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا نِيَّةٌ فِي اقْتِضَاءِ السُّجُودِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَأَلْفَاظَ التَّشَهُّدِ كِلَاهُمَا مُتَعَيَّنٌ مَطْلُوبٌ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ فَإِنَّ أَلْفَاظَهُ تُسْتَعْمَلُ لِلدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَيَقُومُ غَيْرُهَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ كُلِّ مَا تَضَمَّنَ دُعَاءً وَثَنَاءً مَقَامَهَا فَاحْتِيجَ فِي اقْتِضَائِهَا السُّجُودَ لِلنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِمُخَالَفَتِهِ) يَنْبَغِي أَنَّ غَيْرَ الْفِرْقَةِ الْأُولَى مِثْلُهُ لِاقْتِدَائِهِمْ بِمَنْ حَصَلَ مِنْهُ مُقْتَضَى السُّجُودِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ) أَيْ وَهُوَ انْتِظَارُهُ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَسْمَلَ أَوَّلَ تَشَهُّدِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ، وَإِنْ قَصَدَ أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ حَجّ: وَأَنَّهُ لَوْ بَسْمَلَ أَوَّلَ التَّشَهُّدِ أَوْ صَلَّى عَلَى الْآلِ بِنِيَّةِ أَنَّهُ ذَكَرَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ سَجَدَ إلَخْ.
أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ هُنَا لَمَّا عَلَّلَ بِهِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ سِيَّمَا وَالتَّشَهُّدُ مَحَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ مَا عَلَّلَ بِهِ عَدَمَ السُّجُودِ لِقِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ التَّشَهُّدِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا مَطْلُوبٌ قَوْلِيٌّ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ مَتَى نَقَلَ مَطْلُوبًا قَوْلِيًّا سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَإِنَّهُ صُدِّقَ عَلَى مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ قُعُودِهِ) أَيْ أَوْ قُعُودِهِ وَحْدَهُ بِأَنْ لَمْ يُحْسِنْهُ (قَوْلُهُ: لِحَدٍّ يُجْزِئُهُ فِي قِيَامِهِ) .
أَيْ بِأَنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الرُّكُوعِ أَوْ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَعُدْ لَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ نَذَرَهُ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلِيِّ وَهَذَا فَرْضِيَّتُهُ عَارِضَةٌ، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَعْدَ نَذْرِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. (قَوْلُهُ: وَلِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ فِعْلِيٍّ) أَيْ أَمَّا الْقَوْلِيُّ فَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، كَأَنْ أَحْرَمَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ نَفْلًا بِتَشَهُّدَيْنِ وَتَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَتَلَبَّسَ بِالْقِيَامِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِتَلَبُّسِهِ بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ.
لَا يُقَالُ: إنَّ لَهُ تَرْكَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسَ لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْجُلُوسُ الَّذِي يَأْتِي بِهِ لِلْقِرَاءَةِ وَلَوْ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِالْقِرَاءَةِ رُكْنٌ فَعَوْدُهُ عَنْهُ إلَى التَّشَهُّدِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ الْفَرْضَ لِلنَّفْلِ، وَأَمَّا إذَا تَذَكَّرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِالْفَرْضِ فَهَلْ يَعُودُ؛ لِأَنَّهُ بِقَصْدِ الْإِتْيَانِ بِهِ صَارَ بَعْضًا أَوَّلًا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْإِتْيَانَ بِهِ ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقِرَاءَةٍ مَنْدُوبَةٍ كَسُورَةٍ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا رُكْنٌ) يُقَالُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ جَارٍ فِي ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّ نَقْلَ الْمَطْلُوبِ الْقَوْلِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُكْنًا يُنْدَبُ لَهُ السُّجُودُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهَا) أَيْ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخِلٌّ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً لِتَكُونَ قَيْدًا فِيمَا قَبْلَهَا: أَيْ هَذَا الْقُعُودُ الْخَاصُّ مُخِلٌّ بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْقُعُودُ لَيْسَ مُخِلًّا بِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمَهُ فِيمَا لَوْ زَادَ

الصفحة 74