كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

لِعُذْرِهِ إذْ الْمُتَابَعَةُ فَرْضٌ فَرُجُوعُهُ إلَى فَرْضٍ لَا إلَى سُنَّةٍ.
وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ بَلْ يَنْتَظِرُ إمَامَهُ قَائِمًا لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ وَلَيْسَ فِيمَا فَعَلَهُ إلَّا التَّقَدُّمُ عَلَى الْإِمَامِ بِرُكْنٍ (قُلْت: الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ) أَيْ الْعَوْدِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ وَهِيَ آكَدُ مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ تَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ، وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ يَجْرِي فِيمَا لَوْ سَبَقَ إمَامَهُ إلَى السُّجُودِ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَتَرْكُ الْقُنُوتِ يُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَفِي التَّحْقِيقِ وَالْأَنْوَارِ وَالْجَوَاهِرِ نَحْوُهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ إنْ تَرَكَ الْقُنُوتَ نَاسِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ أَوْ عَامِدًا نُدِبَ.
وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ ظَنَّ الْمَسْبُوقُ سَلَامَ إمَامِهِ فَقَامَ حَيْثُ لَزِمَ الْعَوْدُ، وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ هُنَا فَعَلَ فِعْلًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ هُنَا لِذَلِكَ، أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ التَّرْكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ بَلْ يُسَنُّ لَهُ كَمَا لَوْ رَكَعَ مَثَلًا قَبْلَ إمَامِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا بِانْتِقَالِهِ مِنْ وَاجِبٍ لِمِثْلِهِ فَاعْتُدَّ بِفِعْلِهِ، وَخُيِّرَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ السَّاهِي فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَلَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيَعْظُمَ أَمْرُهُ.
وَالْعَامِدُ كَالْمُفَوِّتِ عَلَى نَفْسِهِ تِلْكَ السُّنَّةَ بِتَعَمُّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا تَخَيَّرَ مَنْ رَكَعَ مَثَلًا قَبْلَ إمَامِهِ سَهْوًا لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ السَّاهِي
ـــــــــــــــــــــــــــــS (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُعِدْ) أَيْ فَوْرًا (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْعَمْدِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي: أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ التَّرْكَ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِإِمَامِهِ إنْ سَجَدَ قَبْلَهُ نَاسِيًا، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا، وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ الْآتِي: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْأَنْوَارِ وَالْجَوَاهِرِ فَكَأَنَّهُ بَيَانٌ لِسَنَدِ وَالِدِهِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ) مَا أَفَادَهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ وُجُوبِ الْعَوْدِ إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ فِي الْقُنُوتِ وَخَرَّ سَاجِدًا سَهْوًا لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ، بَلْ يَجْرِي فِيمَا إذَا تَرَكَهُ فِي اعْتِدَالٍ لَا قُنُوتَ فِيهِ وَخَرَّ سَاجِدًا سَهْوًا كَمَا وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ طب وم ر وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِيمَا لَوْ تَرَكَهُ فِي الْقُنُوتِ، وَالْإِمَامُ مَشْغُولٌ بِسُنَّةٍ تُطْلَبُ مُوَافَقَتُهُ فِيهَا، بِخِلَافِ الِاعْتِدَالِ الَّذِي لَا قُنُوتَ فِيهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ مَشْغُولًا فِيهِ بِمَا ذُكِرَ وَزَمَنُهُ قَصِيرٌ، فَسُجُودُ الْمَأْمُومِ قَبْلَهُ لَيْسَ فِيهِ فُحْشٌ كَسَبْقِهِ، وَهُوَ فِي الْقُنُوتِ غَايَتُهُ أَنَّهُ سَبَقَهُ بِبَعْضِ رُكْنٍ سَهْوًا. وَفِي حَجّ الْجَزْمُ بِمَا اسْتَظْهَرَهُ سم قَالَ: وَيَخُصُّ قَوْلُهُمْ السَّبْقَ بِرُكْنٍ سَهْوًا لَا يَضُرُّ بِالرُّكُوعِ اهـ. أَيْ بِخِلَافِ السُّجُودِ سَهْوًا فَيَجِبُ فِيهِ الْعَوْدُ (قَوْلُهُ: وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ) أَيْ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ فِي الْقِيَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَعَادَ لِلْقُعُودِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: لَوْ قَامَ لَزِمَهُ الْجُلُوسُ لِيَقُومَ مِنْهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ، وَإِنْ جَازَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ مَا لَوْ ظَنَّ الْمَسْبُوقُ سَلَامَ إمَامِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَجَازَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ هُنَا لِذَلِكَ) وَقَدْ يُقَالُ ظَنُّهُ سَلَامَ إمَامِهِ يُنَزِّلُ فِعْلَهُ مَنْزِلَةَ فِعْلِ السَّاهِي وَالْعَوْدُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ إلَّا فِي نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ فِي الْقِيَامِ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ رَكَعَ) أَيْ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَخَيَّرَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ فَعَنَّ لَهُ الْقِيَامُ أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَجْلِسَ وَيَأْتِيَ بِالتَّشَهُّدِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: إذْ الْمُتَابَعَةُ فَرْضٌ) أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَإِلَّا فَالْمُتَابَعَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ الَّتِي الْكَلَامُ فِي تَقْرِيرِهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ نِيَّةَ الْمُفَارَقَةِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ وَسَيَأْتِي مَا يُصَرِّحُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ) يَعْنِي مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِقَوْلِنَا نَاسِيًا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ أَحَدُ شِقَّيْ التَّفْصِيلِ وَشِقُّهُ الْآخَرُ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) فِي التَّعْبِيرِ بِهِ مُسَاهَلَةٌ، إذْ الْمَأْخُوذُ هُوَ مُفَادُ التَّشْبِيهِ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ قَرِيبًا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقُنُوتِ الْآتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا وَذِكْرُهُ هُنَاكَ أَنْسَبُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقُنُوتِ الْمُشَبَّهِ بِالتَّشَهُّدِ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ: فَجَازَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ) أَيْ هُنَا

الصفحة 76