كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

حَتَّى قَامَ إمَامُهُ لَمْ يُعِدْ وَلَمْ يَحْسِبْ مَا قَرَأَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ كَمَا لَوْ ظَنَّ مَسْبُوقٌ سَلَامَهُ فَقَامَ لِمَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْغُو مَا فَعَلَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ وَلَوْ ظَنَّ مُصَلٍّ قَاعِدًا أَنَّهُ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ لِلثَّالِثَةِ امْتَنَعَ عَوْدُهُ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ بِالْقِرَاءَةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ جَازَ لَهُ الْعَوْدُ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَ الْقِرَاءَةِ كَتَعَمُّدِ الْقِيَامِ، وَسَبْقُ اللِّسَانِ إلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ.

(وَلَوْ) (تَذَكَّرَ) الْمُصَلِّي إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (قَبْلَ انْتِصَابِهِ) أَيْ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ مُعْتَدِلًا (عَادَ) نَدْبًا (لِلتَّشَهُّدِ) الَّذِي نَسِيَهُ؛ لِعَدَمِ تَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ (وَيَسْجُدُ) لِلسَّهْوِ (إنْ كَانَ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ) مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا تَبْطُلُ بِعَمْدِهِ وَعُلِمَ تَحْرِيمُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ لِقِلَّةِ مَا فَعَلَهُ حِينَئِذٍ، كَمَا صَحَّحَ ذَلِكَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ عَدَمَ السُّجُودِ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَطْلَقَ فِي صَحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحَهُ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَبِهِ الْفَتْوَى، وَعَلَى الْأَوَّلِ السُّجُودُ لِلنُّهُوضِ مَعَ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَهُمَا مُبْطِلٌ لَا لِلنُّهُوضِ فَقَطْ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لِلنُّهُوضِ لَا لِلْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ.
لَا يُقَالُ: لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ نَاسِيًا فَفَارَقَهُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ بُلُوغِهِ حَدَّ الرَّاكِعِينَ سَجَدَ مَعَ أَنَّ هَذَا قِيَامٌ لَا عَوْدَ فِيهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: عَمْدُ هَذَا الْقِيَامِ وَحْدَهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ بِخِلَافِ مَا قَالَاهُ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ مُبْطِلٌ (وَلَوْ نَهَضَ) مَنْ ذُكِرَ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ (عَمْدًا) أَيْ بِقَصْدِ تَرْكِهِ، وَهَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ أَوَّلًا: وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (فَعَادَ) لَهُ عَمْدًا
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَيْ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ (قَوْلُهُ: حَتَّى قَامَ إمَامُهُ) أَيْ أَوْ سَجَدَ مِنْ الْقُنُوتِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى سَجَدَ إمَامُهُ لَا يُعْتَدُّ بِطُمَأْنِينَتِهِ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِقِرَاءَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ السُّجُودَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالطُّمَأْنِينَةُ هَيْئَةٌ لَهُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ ظَنَّ مُصَلٍّ قَاعِدًا) أَيْ أَوْ مُضْطَجِعًا (قَوْلُهُ: فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ) أَيْ وَإِنْ قُلْت كَأَنْ نَطَقَ بِبِسْمٍ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْقِرَاءَةِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْقِيَامِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالتَّعَوُّذِ مُرِيدًا الْقِرَاءَةَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ (قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ الْعَوْدُ) أَيْ وَجَازَ عَدَمُهُ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي إعَادَةُ مَا قَرَأَهُ لِسَبْقِ اللِّسَانِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: وَسَبَقَ إلَخْ وَأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ اسْتِوَائِهِ مُعْتَدِلًا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَصِلْ لِحَدٍّ تُجْزِئُهُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: كَمَا صَحَّحَ ذَلِكَ فِي الشَّرْحَيْنِ) أَيْ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ وَبَيْنَ خِلَافِهِ. [فَرْعٌ] نَوَى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا، أَوْ أَطْلَقَ فِي نِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ نَوَى الِاقْتِصَارَ عَلَى رَكْعَةٍ فَرَجَعَ إلَى الْقُعُودِ وَتَشَهَّدَ هَلْ يُسَنُّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَجْلِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ؟ الْوَجْهُ أَنَّهُ يُسَنُّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَوْ تَعَمَّدَهَا بِأَنْ أَرَادَ زِيَادَتَهَا فَقَطْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
وَقَالَ م ر بِالذِّهْنِ عَلَى الْبَدِيهَةِ جَوَابًا لِسَائِلِهِ عَنْ ذَلِكَ: لَا سُجُودَ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ م ر. وَوَجْهُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ حِينَ فَعَلَهَا كَانَتْ مَطْلُوبَةً مِنْهُ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ نِيَّةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسُجُودِ السَّهْوِ إلَخْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى السُّجُودَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى سَجْدَةٍ جَازَ وَلَا تَضُرُّهُ تِلْكَ السَّجْدَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْهَا: يَعْنِي بَلْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً مِنْهُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لِلنُّهُوضِ) وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ النُّهُوضَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ عَوْدِ الْبُطْلَانِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: أَيْ بِقَصْدِ تَرْكِهِ) خَرَجَ مَا لَوْ نَهَضَ لَا بِقَصْدِ ذَلِكَ بَلْ لِيَنْهَضَ قَلِيلًا وَيَعُودَ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِزِيَادَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ تَعَمُّدَ الْقِرَاءَةِ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ امْتَنَعَ عَوْدُهُ، وَقَوْلُهُ: وَسَبْقُ اللِّسَانِ إلَى غَيْرِهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ إلَخْ، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَالْعِبَارَةُ لِلرَّوْضِ وَشَرْحِهِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ عَمْدُ هَذَا الْقِيَامِ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْمَطْلُوبِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِقَصْدِ تَرْكِهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا تَعَمَّدَ زِيَادَةَ النُّهُوضِ لَا لِمَعْنًى فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنْ اسْمِ الْقُعُودِ لِشُرُوعِهِ فِي مُبْطِلٍ

الصفحة 77