كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

مَعْنًى خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ كَالزَّرْكَشِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ فَجَعَلَ الْمُبْهَمَ كَالْمُعَيَّنِ (أَوْ) فِي (ارْتِكَابِ نَهْيٍ) أَيْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ (فَلَا) يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ارْتِكَابِهِ، وَلَوْ عَلِمَ سَهْوًا وَشَكَّ أَنَّهُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي سَجَدَ كَمَا لَوْ عَلِمَهُ وَشَكَّ أَمَتْرُوكُهُ الْقُنُوتُ أَمْ التَّشَهُّدُ.

(وَلَوْ) (سَهَا) بِمَا يَقْتَضِي سُجُودَهُ (وَشَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ (هَلْ سَجَدَ) لِلسَّهْوِ أَوْ لَا أَوْ هَلْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً (فَلْيَسْجُدْ) ثِنْتَيْنِ فِي الْأُولَى وَوَاحِدَةً فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سُجُودِهِ، وَجَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَالْمَعْدُومِ (وَلَوْ شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ فِي رُبَاعِيَّةٍ (أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا) (أَتَى بِرَكْعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إتْيَانِهِ بِهَا وَلَا يَرْجِعُ لِظَنِّهِ وَلَا لِقَوْلِ غَيْرِهِ أَوْ فِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَ جَمْعًا كَثِيرًا، وَأَمَّا مُرَاجَعَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ وَعَوْدُهُ لِلصَّلَاةِ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ أَوْ أَنَّهُمْ بَلَغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي، إذْ مَحَلُّ عَدَمِ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ، فَإِنْ بَلَغُوا عَدَدَهُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ عِلْمُ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّهُ فَعَلَهَا رَجَعَ لِقَوْلِهِمْ لِحُصُولِ الْيَقِينِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِخِلَافِ هَذَا الْعِلْمِ تَلَاعُبٌ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَتَى بِجَمِيعِهَا فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ هُوَ السُّجُودُ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا ظَاهِرٌ فِيهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ.
فَالْوَجْهُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ حِينَئِذٍ رُبَّمَا يَتَّحِدُ مَعَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ مَنْدُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ عَدَمُ السُّجُودِ فِيمَا لَوْ شَكَّ هَلْ أَتَى بِجَمِيعِ الْأَبْعَاضِ أَوْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا، وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ: فِي تَرْكِ بَعْضٍ مُبْهَمٍ إلَخْ كَأَنْ شَكَّ هَلْ أَتَى بِجَمِيعِ الْأَبْعَاضِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَ تَرْكَ بَعْضٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ قُنُوتٌ مَثَلًا أَوْ تَشَهُّدٌ أَوَّلُ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْمُعَيَّنِ. اهـ.
وَلَوْ مَعْنَى مَا سَيَأْتِي عَنْ سم فِي قَوْلِهِ صُورَةُ هَذَا أَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَالتَّقْيِيدُ بِالْمُعَيَّنِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ) هَذَا الزَّعْمُ هُوَ الْحَقُّ لِمَنْ أَحْسَنَ التَّأَمُّلَ وَرَاجَعَ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ هَلْ أَتَى بِجَمِيعِ الْأَبْعَاضِ أَوْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا سَجَدَ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضًا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ قُنُوتٌ أَوْ غَيْرُهُ سَجَدَ (قَوْلُهُ: أَمَتْرُوكُهُ الْقُنُوتُ أَوْ التَّشَهُّدُ) صُورَةُ هَذَا أَنَّهُ تَحَقَّقَ تَرْكَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الْقُنُوتَ وَالتَّشَهُّدَ، وَلَا يَدْرِي عَيْنَ الْمَتْرُوكِ مِنْهُمَا، وَصُورَةُ مَا سَبَقَ فِي تَرْكِ الْبَعْضِ الْمُبْهَمِ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّرْكُ، وَإِنَّمَا شَكَّ هَلْ أَتَى بِجَمِيعِ الْأَبْعَاضِ أَوْ تَرَكَ وَاحِدًا مُبْهَمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَاضِحٌ لَكِنَّهُ قَدْ يُشْتَبَهُ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: وَأَقْرَبُ تَصَاوِيرِ صَلَاةٍ بِهَا قُنُوتٌ وَتَشَهُّدٌ أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْوِتْرِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بِتَشَهُّدَيْنِ ثُمَّ شَكَّ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ هَلْ مَتْرُوكُهُ الْقُنُوتُ أَوْ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ. وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ أَيْضًا بِمَا إذَا صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مُقْتَضَى السُّجُودِ، وَشَكَّ فِي هَلْ أَنَّهُ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ أَنَّ إمَامَهُ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ تَرَدَّدَ فِي رُبَاعِيَّةٍ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ مَا لَوْ أَحْرَمَ بِأَرْبَعٍ نَفْلًا ثُمَّ شَكَّ، وَإِطْلَاقُ الْحَدِيثِ وَالْمِنْهَاجِ يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَيُمْكِنُ شُمُولُ الْمَتْنِ لَهُ بِأَنْ يُرَادَ بِالرُّبَاعِيَّةِ صَلَاةٌ هِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا. (قَوْلُهُ: عَدَدَ التَّوَاتُرِ) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ أَنَّ الْمُجِيبَ لَهُ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ وَسَيِّدُنَا عُمَرَ وَهُمَا اثْنَانِ فَقَطْ، وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْأَرْبَعِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا سَكَتَ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ نُسِبَ إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ (قَوْلُهُ: رَجَعَ لِقَوْلِهِمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْأَذْرَعِيُّ) فِي نِسْبَةِ هَذَا إلَى الْأَذْرَعِيِّ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إنَّمَا حَكَاهُ عَنْ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ قِيلَ الصَّرِيحُ فِي ضَعْفِهِ عِنْدَهُ، وَعِبَارَتُهُ فِي قَوْلِهِ مَعَ الْمَتْنِ، وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ أَيْ مُعَيَّنٍ سَجَدَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَتَبِعَاهُ، قِيلَ وَلَا تَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَشَكَّ أَمَتْرُوكُهُ الْقُنُوتُ إلَخْ) كَأَنْ نَوَى قُنُوتَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ بِتَشَهُّدَيْنِ فَشَكَّ هَلْ تَرَكَ أَحَدَهُمَا أَوْ الْقُنُوتَ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ تَصْوِيرِهِ أَيْضًا بِخِلَافٍ، هَذَا لَا يَتَأَتَّى

الصفحة 79