كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

أَنَّ إمَامَهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا تَحْرُمُ فِيهَا، وَلَا تُبْطِلُهَا؛ لِتَعَلُّقِهَا بِالتِّلَاوَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ سُجُودِ الشُّكْرِ.

(وَيُسَنُّ) السُّجُودُ (لِلْقَارِئِ) حَيْثُ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ مَشْرُوعَةً وَلَوْ صَبِيًّا: أَيْ مُمَيِّزًا فِيمَا يَظْهَرُ، أَوْ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ إذْ حُرْمَةُ رَفْعِ صَوْتِهَا بِهَا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ إنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ لَا لِذَاتِ قِرَاءَتِهَا؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ خَطِيبًا أَمْكَنَهُ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ عَلَى مِنْبَرِهِ أَوْ أَسْفَلَهُ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ أَوْ مُصَلِّيًا إنْ قَرَأَ فِي قِيَامٍ (وَالْمُسْتَمِعِ) وَهُوَ مَنْ قَصَدَ السَّمَاعَ، وَالْأَوْجَهُ فِي قَارِئٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ لَهَا قَبْلَ صَلَاتِهِ التَّحِيَّةَ أَنَّهُ يَسْجُدُ ثُمَّ يُصَلِّيهَا؛ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ قَصِيرٌ لِعُذْرٍ فَلَا تَفُوتُ بِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالسُّجُودُ أَفْضَلُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْقَارِئُ كَافِرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ قَبْلَ خُرُوجِهِ عَنْ مُسَمَّى الْقِيَامِ لَمْ يَسْجُدْ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَفْعَلْ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ فِي زَمَنِ الْقُدْوَةِ، وَإِنْ نَوَاهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ أَوْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِينَ مِثْلًا سَجَدَ لِفِعْلِ الْإِمَامِ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبِيًّا) لَمْ يَقُلْ أَوْ كَافِرًا لِعَدَمِ تَأَتِّي السُّجُودِ مِنْهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ عَقِبَ قِرَاءَتِهِ وَتَطَهَّرَ فَوْرًا سُنَّ السُّجُودُ فِي حَقِّهِ (قَوْلُهُ: أَيْ مُمَيِّزًا) هَذَا تَقْيِيدٌ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السُّجُودِ مِنْ غَيْرِ الْقَارِئِ، أَمَّا هُوَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ سُجُودٌ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَسْفَلَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النُّزُولِ كُلْفَةٌ وَإِلَّا سُنَّ تَرْكُهُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَرَأَ فِي قِيَامٍ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَرَأَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَتِهِ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا ثُمَّ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ) أَيْ وَلَوْ لِبَعْضِ الْآيَةِ كَأَنْ سَمِعَ بَعْضَهَا وَاشْتَغَلَ بِكَلَامٍ عَنْ اسْتِمَاعِ الْبَعْضِ الْآخَرِ وَلَكِنْ سَمِعَ الْبَاقِيَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ السَّمَاعِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُ الْقَارِئِ وَالسَّامِعِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْمَلُ بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ إذْ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا.
[فَائِدَةٌ] . وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ قَرَأَ الْمَيِّتُ آيَةَ سَجْدَةٍ هَلْ يَسْجُدُ السَّامِعُ لَهُ أَمْ لَا؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ لَمْ تَنْقَطِعْ بِمَوْتِهِمْ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَقْرَأَ الْمَيِّتُ قِرَاءَةً تَامَّةً حَسَنَةً لِيَلْتَذَّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَلَيْسَ هُوَ كَالسَّاهِي وَالْجَمَادِ وَنَحْوِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ مُسِخَ وَقَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْحَاصِلُ مَسْخَ صِفَةٍ سُجِدَ لِقِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ مَسْخَ ذَاتٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَيَوَانٌ أَوْ جَمَادٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُسْجَدُ لِقِرَاءَتِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جُلُوسٌ قَصِيرٌ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَكَرَّرَ سَمَاعُهُ لِآيَةِ السَّجْدَةِ مِنْ قَارِئٍ أَوْ أَكْثَرَ احْتَمَلَ أَنْ يَسْجُدَ لِمَا لَا تَفُوتُ مَعَهُ التَّحِيَّةُ وَيَتْرُكُ لِمَا زَادَ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ السُّجُودِ، وَإِنْ فَاتَتْ بِهِ التَّحِيَّةُ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالسُّجُودُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْقَارِئُ كَافِرًا) أَيْ وَلَوْ جُنُبًا مُعَانِدًا؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَلَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الْقِرَاءَةِ مَعَ مَا ذُكِرَ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ نَقْلًا عَنْ الشَّارِحِ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ الْجُنُبُ فَيَسْجُدُ لِقِرَاءَتِهِ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُرْمَةَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمْ مَعَ الْجَنَابَةِ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا فَيَجُوزُ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْحُكْمِ فَلَا يَتَحَقَّقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ: (قَوْلُهُ: مَشْرُوعَةً) يُؤْخَذُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْآتِيَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِيَخْرُجَ قِرَاءَةُ الطُّيُورِ وَالسَّاهِي وَالسَّكْرَانِ وَنَحْوِهِمْ، وَأَنْ تَكُونَ مَأْذُونًا فِيهَا شَرْعًا لِيَخْرُجَ قِرَاءَةُ الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: كَافِرًا) وَإِنْ كَانَ مُعَانِدًا لَا يُرْجَى إسْلَامُهُ كَمَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ سم عَنْ الشَّارِحِ

الصفحة 95