كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

أَوْ مَلَكًا أَوْ جِنِّيًّا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ وَسَكْرَانَ وَسَاهٍ وَنَائِمٍ وَمَا عُلِمَ مِنْ الطُّيُورِ كُدْرَةٌ وَنَحْوُهَا وَلَا لِقِرَاءَةٍ فِي جِنَازَةٍ أَوْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ فِي نَحْوِ رُكُوعٍ؛ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَوَاءٌ أَسَجَدَ الْقَارِئُ أَمْ لَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَرَأَ آيَةً بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ لِيُفَسِّرَ لَهُ مَعْنَاهَا فَيَسْجُدُ لِذَلِكَ كُلٌّ مِنْ الْقَارِئِ وَمَنْ سَمِعَهُ؛ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ مَشْرُوعَةٌ بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ الْكَافِرِ.
لَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التِّلَاوَةَ فَلَا سُجُودَ لَهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ قَصَدَ تِلَاوَتَهَا لِتَقْرِيرِ مَعْنَاهَا (وَتَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى طَلَبِهَا مِنْهُ حِينَئِذٍ وَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، فَلَوْ فَعَلَ كَانَ جَائِزًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ. (قُلْت:) (وَيُسَنُّ لِلسَّامِعِ) لِجَمِيعِ الْآيَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ مَشْرُوعَةٍ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ السَّمَاعَ وَتَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ لَكِنْ دُونَ تَأَكُّدِهَا لِلْمُسْتَمِعِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَيَسْجُدُ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُهُمْ مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ» .

وَلَوْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ آيَةَ سَجْدَةٍ أَوْ سُورَتَهَا بِقَصْدِ السُّجُودِ فِي غَيْرِ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالنَّهْيُ فِي حَقِّهِمْ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكَافِرٍ: أَيْ رُجِيَ إسْلَامُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَلَا سُجُودَ لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ) أَيْ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ: أَيْ فَلَوْ فَعَلَهَا لَا تَنْعَقِدُ، أَمَّا الصَّبِيُّ فَيَسْجُدُ لِقِرَاءَتِهِ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا لِعَدَمِ نَهْيِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَمْنَعْهُ وَلِيُّهُ مِنْهَا، فَلَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ غُسْلًا لَا يَقُولُ بِهِ السَّامِعُ أَوْ فَعَلَ مَا يَحْصُلُ الْجَنَابَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ دُونَ غَيْرِهِ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ السَّامِعِ فَلَا يَسْجُدُ حَيْثُ كَانَ شَافِعِيًّا يَرَى بَقَاءَ الْجَنَابَةِ أَوْ حُصُولَهَا أَوْ بِعَقِيدَةِ الْقَارِئِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْقَارِئِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى التَّحْرِيمَ، وَيُؤَيِّدُهُ السُّجُودُ لِقِرَاءَةِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ حَيْثُ عَلَّلُوهُ بِأَنَّ قِرَاءَتَهُ مَشْرُوعَةٌ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ حُرْمَتَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْمَلُ بِعَقِيدَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: وَسَكْرَانَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ. اهـ حَجّ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ مَكْرُوهَةٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَرَأَ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ فِيهِمَا مَشْرُوعَةٌ لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً، وَفَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ الطَّلَبِ وَطَلَبِ الْعَدَمِ، وَيُعَلَّلُ فِي السَّاهِي وَالنَّائِمِ إلَخْ بَعْدَهُ الْقَصْدُ (قَوْلُهُ: لِيُفَسِّرَ لَهُ مَعْنَاهَا) أَيْ وَالْقَارِئُ عَلَى الشَّيْخِ لِتَصْحِيحِ قِرَاءَتِهِ أَوْ لِلْأَخْذِ عَنْهُ حَجّ (قَوْلُهُ: فَيَسْجُدُ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: لِتَقْرِيرِ مَعْنَاهَا) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مِثْلَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِالْآيَةِ فَيَسْجُدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِوُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فِي الْمُسْتَدِلِّ وَفِي كَلَامِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى حَجّ خِلَافُهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ (قَوْلُهُ: وَتَتَأَكَّدُ) أَيْ السَّجْدَةُ، وَقَوْلُهُ لَهُ: أَيْ لِلْمُسْتَمِعِ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ وَيَنْبَغِي كَمَا بَحَثَهُ م ر أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ قِرَاءَةً فِي السُّوقِ سَجَدَ وَإِنْ كُرِهَتْ بِأَنْ أُلْهِيَ الْقَارِئُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِخَارِجٍ لَا لِذَاتِ الْقِرَاءَةِ.
وَسُئِلَ م ر هَلْ يَسْجُدُ لِسَمَاعِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ؟ قَالَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِعَارِضٍ، وَكَذَا لِسَمَاعِ الْقِرَاءَةِ فِي الْخَلَاءِ لِذَلِكَ انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُحَرَّرْ. وَلَوْ قَرَأَ وَاحِدٌ بَعْضَ آيَةِ السَّجْدَةِ وَأَخَّرَ بَاقِيَهَا فَهَلْ يُسَنُّ السُّجُودُ لِلسَّامِعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمَيْلُ لِعَدَمِ السُّجُودِ أَكْثَرُ وِفَاقًا لِمَا مَالَ لَهُ م ر.
وَقَوْلُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ لَعَلَّ وَجْهَ الْأَمْرِ بِالتَّأَمُّلِ أَنَّ السُّجُودَ لَمَّا ذُكِرَ يُشْكِلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ لِلْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، فَإِنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ ثُمَّ كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا (قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الِاقْتِدَاءِ) وَهَلْ يَجُوزُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْتَدِيَ فِيهَا بِالسَّامِعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَازُ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى عَدَمُ الِاقْتِدَاءِ كَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ: مِنْ قِرَاءَةٍ مَشْرُوعَةٍ) أَيْ حَيْثُ اتَّحَدَ الْقَارِئُ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمَارِّ) هُوَ قَوْلُهُ: كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا إلَخْ.

(قَوْلُهُ: أَوْ سُورَتَهَا إلَخْ) أَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ لِغَرَضِ السُّجُودِ فَقَطْ أَوْ سَجَدَ الْمُصَلِّي لِغَيْرِ سَجْدَةِ إمَامِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ حَرُمَ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِقَصْدِ السُّجُودِ) وَخَرَجَ بِقَصْدِ السُّجُودِ مَا لَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ أَدَاءِ سُنَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَسَكْرَانَ) أَيْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ

الصفحة 96