كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فِيهِمَا سَجْدَةٌ لِيَسْجُدَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي وَقْتِ كَرَاهَتِهَا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لَا لِغَرَضِ صَلَاةٍ سِوَى التَّحِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تُكْرَهُ لَهُ الصَّلَاةُ. اهـ.
فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ وَأَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَنْهِيٌّ عَنْ زِيَادَةِ سَجْدَةٍ فِيهَا إلَّا السُّجُودَ لِسَبَبٍ، كَمَا أَنَّ الْأَوْقَاتَ الْمَكْرُوهَةَ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا إلَّا لِسَبَبٍ، فَالْقِرَاءَةُ بِقَصْدِ السُّجُودِ كَتَعَاطِي السَّبَبِ بِاخْتِيَارِهِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِيَفْعَلَ الصَّلَاةَ وَقَدْ جَرَى عَلَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ مُخْتَصَرٌ وَكَلَامُهُ وَغَيْرُهُمْ، وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً أَوْ سُورَةً تَتَضَمَّنُ سَجْدَةً لِيَسْجُدَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ الْمَسْجِد لَا لِغَرَضٍ سِوَى التَّحِيَّةِ، وَقَدْ سَبَقَ انْتَهَى.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ جَوَازُهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِ {الم} [السجدة: 1] فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مَمْنُوعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالسُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فَيَسْجُدُ وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَنَّ فِيمَا يَقْرَؤُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ وَأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ السُّجُودُ إذَا قَرَأَهَا (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ بِالسُّجُودِ لَا بِمُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهَا لَيْسَ شُرُوعًا فِي الْمُبْطِلِ، كَمَا لَوْ عَزَمَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِيهَا (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ أَمَّا الْجَاهِلُ وَالنَّاسِي فَلَا، وَمِنْهُ لَوْ أَخْطَأَ فَظَنَّ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَوْمَهَا فَقَرَأَ فِيهِ {الم} [السجدة: 1] بِقَصْدِ السُّجُودِ.
[فَائِدَةٌ] . يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ بِسَبَبِ سَهْوٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَجْدَةً، وَذَلِكَ فِيمَنْ اقْتَدَى فِي رُبَاعِيَّةٍ بِأَرْبَعَةٍ بِأَنْ اقْتَدَى بِالْأَوَّلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ثُمَّ بِالْبَاقِينَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاتِهِمْ ثُمَّ صَلَّى الرَّابِعَةَ وَحْدَهُ وَسَهَا كُلُّ إمَامٍ مِنْهُمْ فَيَسْجُدُ مَعَهُ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ أَنَّهُ سَهَا فِي رَكْعَتِهِ الرَّابِعَةِ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِ كُلٍّ مِنْهُمْ خَلْفَهُ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ سَهَا فِي رَكْعَتِهِ فَسَجَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ فَسَجَدَ ثَانِيًا فَهَذِهِ ثَنَتَا عَشْرَةَ سَجْدَةً انْتَهَى حَوَاشِي الرَّمْلِيِّ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يُكْرَهْ) أَيْ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تُكْرَهُ لَهُ الصَّلَاةُ) أَيْ وَلَا تَنْعَقِدُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَرَى عَلَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ) أَيْ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً إلَخْ مِنْ كَرَاهَتِهَا فِيمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ سَبَقَ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ قَرَأَهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِيَسْجُدَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ هَلْ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ سُجُودًا غَيْرَ جَائِزٍ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: لَا لِغَرَضٍ سِوَى التَّحِيَّةِ فَإِنَّهُ حَصَرَ الْمَنْعَ فِيمَا لَوْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِخُصُوصِ التَّحِيَّةِ.
[فَرْعٌ] . نَذَرَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالسُّجُودِ هَلْ يَفُوتُ وَيَأْثَمُ أَوْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ ظَهَرَ عَلَى الْفَوْرِ وَوَافَقَ م ر عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّذْرِ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ. اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: قَوْلُهُ: هَلْ يَجِبُ إلَخْ الْقِيَاسُ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا السَّبَبَ إذَا فَاتَ لَا يُقْضَى، وَالْقَلْبُ إلَى الْفَرْقِ أَمْيَلُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَا شُرِعَ لِسَبَبٍ إذَا فَاتَ لَا يُقْضَى وَهَذَا مِنْهُ. [فَرْعٌ] . لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يَقْرَأَ إلَّا مُتَطَهِّرًا فَهَلْ يَنْعَقِدُ ذَلِكَ النَّذْرُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ صِيغَتِهِ نَذْرُ عَدَمِ الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا وَلَيْسَ عَدَمُهَا قُرْبَةً حَتَّى يَنْعَقِدَ نَذْرُهُ، وَبِقَدْرِ انْعِقَادِهِ فَهُوَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْقِرَاءَةَ إذَا كَانَ مُتَطَهِّرًا، فَبِقِرَاءَتِهِ مَعَ الْحَدَثِ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا الْتَزَمَ فِعْلَهُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ السُّجُودُ إذَا قَرَأَ آيَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفحة 97