كتاب نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (اسم الجزء: 2)

فَإِنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ عَنْ قَصْدٍ، وَلِذَلِكَ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ السُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ السُّنِّيَّةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَرَأَ السَّجْدَةَ لِيَسْجُدَ فِيهَا مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ وَبِوُجُودِ سَبَبِهَا، إذْ الْقَصْدُ فِيهَا اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فِي قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ وَالسُّجُودِ فِيهَا، وَخَرَجَ بِالسَّامِعِ غَيْرُهُ، وَإِنْ عَلِمَ بِرُؤْيَةِ السُّجُودِ، وَمَنْ زَعَمَ دُخُولَهُ فِي قَوْلِهِ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ وَبِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ سَمِعَهُ (فَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ) فِي مَحَلِّ قِرَاءَتِهِ وَهُوَ الْقِيَامُ أَوْ بَدَلُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا فِي الْجُمْلَةِ (سَجَدَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ بِدَلِيلِ إفْرَادِهِ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِقِرَاءَتِهِ، وَاخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي التَّقْسِيمِ كَمَا هُنَا أَجْوَدُ مِنْ أَوْ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا فَحِينَئِذٍ يَتَنَازَعُهُ كُلُّ مَنْ قَرَأَ وَسَجَدَ، فَالْفَرَّاءُ يُعْمِلْهُمَا فِيهِ، وَالْكِسَائِيُّ يَقُولُ حَذْفُ فَاعِلِ الْأَوَّلِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُضْمِرُونَهُ وَالْفَاعِلُ الْمُضْمَرُ عِنْدَهُمْ مُفْرَدٌ لَا مُثَنَّى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ضَمِيرَ تَثْنِيَةٍ لَبَرَزَ عَلَى رَأْيِهِمْ فَيَصِيرُ، وَإِنْ قَرَآ ثُمَّ الْإِفْرَادُ مَعَ عَوْدِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ بِتَأْوِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَالتَّرْكِيبُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ قَبْلَهُ، وَلَيْسَتْ صِحَّتُهُ خَاصَّةً بِالْمَذْهَبَيْنِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى عَدَمِ تَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ) أَيْ كُلٍّ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ مَنْ قَرَأَ بَدَلًا عَنْ الْفَاتِحَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَلَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ، وَمِثْلُهُ الْجُنُبُ الْفَاقِدُ لِطَهُورَيْنِ الْعَاجِزُ عَنْ الْفَاتِحَةِ إذَا قَرَأَ بَدَلَهَا آيَةَ سَجْدَةٍ لِئَلَّا يَقْطَعَ الْقِيَامَ الْمَفْرُوضَ، وَاعْتَمَدَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ، وَوَجْهُهُ بِأَنَّ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَا يُتْرَكُ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْقَطْعِ لِأَجْنَبِيٍّ. أَمَّا هُوَ لِمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ لَا يُسَمَّى قَطْعًا، وَقَدْ يُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْبَدَلَ يُعْطَى حُكْمَ مُبْدَلِهِ، فَكَمَا أَنَّ الْأَصْلَ لَا سُجُودَ فِيهِ فَبَدَلُهُ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ مَا لَوْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَامِدًا عَالِمًا فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSالسَّجْدَةِ مُحْدِثًا، وَكَذَا تُسَنُّ لِمَنْ سَمِعَهُ (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْأَوْلَى حَذْفُ فِي (قَوْلُهُ: مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَنْهِيٌّ عَنْ زِيَادَةِ سَجْدَةٍ فِيهَا إلَّا السُّجُودَ لِسَبَبٍ إلَخْ، وَالسَّبَبُ هُوَ وُرُودُ السُّنَّةِ بِهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْنَعُ قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ السُّنِّيَّةِ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْعِلْمِ بِسَنِّهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِذَلِكَ قَصْدُ الْأَدَاءِ عَنْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا) حَلُّ مَعْنَى لَا إعْرَابٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ جَعْلِ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ بِكُلٍّ (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ) أَيْ لِمَا يَأْتِي مِنْ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا يَقْطَعَ إلَخْ.
وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: بِخِلَافِ مَا لَوْ كَرَّرَهُ بَدَلًا عَنْ السُّورَةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ. اهـ (قَوْلُهُ: الْعَاجِزُ عَنْ الْفَاتِحَةِ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُوَجَّهُ) أَيْ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ السُّجُودِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: بِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ فِي كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ نَفْسِهِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ إلَخْ وَهَذَا أَقْرَبُ مِمَّا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ: الْمُضْمَرُ) أَيْ بَدَلٌ مِنْ الْفَاعِلِ وَخَبَرُهُ مُفْرَدٌ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْجُنُبُ إلَخْ) هَذَا فِيهِ مَانِعَانِ: الْأَوَّلُ يَشْتَرِك فِيهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي لِئَلَّا يَقْطَعَ الْقِيَامَ الْمَفْرُوضَ.
الثَّانِي عَدَمُ جَوَازِ غَيْرِ الْأَرْكَانِ لَهُ فَلَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ كَمَا مَرَّ إذْ صَلَاتُهُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ يَقُولُ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا فَاقِدًا لِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ مُغْنٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَقْطَعَ الْقِيَامَ الْمَفْرُوضَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ قِيَامٌ لِمَفْرُوضٍ وَهُوَ بَدَلُ الْفَاتِحَةِ، وَخَرَجَ بِهِ الْقِيَامُ لِلسُّورَةِ، وَالْمُرَادُ قَطْعُ الْقِيَامِ الْمَفْرُوضِ لِمَفْرُوضٍ كَالسُّجُودِ

الصفحة 98