كتاب حجة الله البالغة (اسم الجزء: 2)

والسر فِي مُخَالفَته الظّهْر وَالْعصر أَن النَّهَار مَظَنَّة الصخب واللغط فِي الْأَسْوَاق والدور، وَأما غَيرهمَا فوقت هدوء الْأَصْوَات والجهر أقرب إِلَى تذكر الْقَوْم واتعاظهم.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِذا أَمن الإِمَام، فَأمنُوا، فَإِن من وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ".
أَقُول: الْمَلَائِكَة يحْضرُون الذّكر رَغْبَة مِنْهُم فِيهِ، ويؤمنون على أدعيتهم لأجل مَا يترشح عَلَيْهِم من الْمَلأ الْأَعْلَى، وَفِيه إِظْهَار التأسي بِالْإِمَامِ وَإِقَامَة لسنة الأقتداء.
وَرويت إسكاتتان: إسكاتة بَين التَّكْبِير وَالْقِرَاءَة ليتحرم الْقَوْم بأجمعهم فِيمَا بَين ذَلِك، فيقبلوا على اسْتِمَاع الْقِرَاءَة بعزيمة، وإسكاتة بَين قِرَاءَة الْفَاتِحَة وَالسورَة، قيل: ليتيسر لَهُم الْقِرَاءَة من غير تشويش وَترك إنصات.
أَقُول: الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن لَيْسَ بِصَرِيح فِي الإسكاتة الَّتِي يَفْعَلهَا الإِمَام لقِرَاءَة الْمَأْمُومين، فَإِن الظَّاهِر أَنَّهَا للتلفظ بآمين عِنْد من يسر بهَا، أَو سكتة لَطِيفَة تميز بَين الْفَاتِحَة وآمين لِئَلَّا يشْتَبه غير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ، عِنْد من يجْهر بهَا أَو سكتة لَطِيفَة ليرد إِلَى الْقَارئ نَفسه وعَلى التنزل فاستغراب الْقرن الأول إِيَّاهَا يدل على أَنَّهَا لَيست سنة مُسْتَقِرَّة وَلَا مِمَّا عمل بِهِ الْجُمْهُور وَالله أعلم.
وَيقْرَأ فِي الْفجْر سِتِّينَ آيَة إِلَى مائَة تداركا لقلَّة ركعاته بطول قِرَاءَته، وَلِأَن رين الأشغال المعاشية لم يستحكم بعد، فيغتنم الفرصة لتدبر الْقُرْآن.
وَفِي الْعشَاء:
{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
{وَاللَّيْل إِذا يغشى}
وَمثلهَا، وقصة معَاذ - وَمَا كره النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من تنقير الْقَوْم - مَشْهُورَة.
وَحمل الظّهْر على الْفجْر، وَالْعصر على الْعشَاء فِي بعض الرِّوَايَات، وَالظّهْر على الْعشَاء وَالْعصر على الْمغرب فِي بَعْضهَا.
وَفِي الْمغرب بقصار الْمفصل لضيق الْوَقْت، وَكَانَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطول، ويخفف على مَا يرى من الْمصلحَة الْخَاصَّة بِالْوَقْتِ، وَإِنَّمَا أَمر النَّاس بِالتَّخْفِيفِ فَإِن فيهم الضَّعِيف. وَفِيهِمْ السقيم. وَفِيهِمْ ذَا الْحَاجة وَقد اخْتَار رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض السُّور فِي بعض الصَّلَوَات لفوائد من غير حتم، وَلَا طلب مُؤَكد؛ فَمن اتبع فقد أحسن، وَمن لَا فَلَا حرج.

الصفحة 15