كتاب حجة الله البالغة (اسم الجزء: 2)

كَمَا اخْتَار فِي الْأَضْحَى. وَالْفطر (ق) و (أقتربت) لبديع أسلوبهما وجمعهما لعامه مَقَاصِد الْقُرْآن فِي اخْتِصَار، وَإِلَى ذَلِك حَاجَة عِنْد اجْتِمَاع النَّاس، أَو (سبح اسْم) و (هَل أَتَاك) للتَّخْفِيف وأسلوبهما البديع. وَفِي الْجُمُعَة، سُورَة - الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ - للمناسبة والتحذير، فَإِن الْجُمُعَة تجمع من الْمُنَافِقين وأشباههم من لَا يجمعه غير الْجُمُعَة
وَفِي الْفجْر يَوْم الْجُمُعَة (ألم تَنْزِيل) و (هَل أَتَى) تذكيرا للساعة وَمَا فِيهَا وَالْجُمُعَة تكون الْبَهَائِم فِيهَا مسيخة أَن تكون السَّاعَة فَكَذَلِك يَنْبَغِي لبني آدم أَن يَكُونُوا فزعين بهَا.
وَإِذا مر الْقَارئ على (سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى) قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَمن قَرَأَ (أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين) فَلْيقل بلَى وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين، وَمن قَرَأَ (أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحي الْمَوْتَى) فَلْيقل بلَى، وَمن قَرَأَ (فَبِأَي حَدِيث بعده يُؤمنُونَ) فَلْيقل: آمنا بِاللَّه، وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الْأَدَب
والمسارعة إِلَيّ الْخَيْر، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع رفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه أَو أُذُنَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع وَلَا يفعل ذَلِك فِي السُّجُود.
أَقُول: السِّرّ فِي ذَلِك أَن رفع الْيَدَيْنِ فعل تعظيمي يُنَبه النَّفس على ترك الاشغال المنافية للصَّلَاة وَالدُّخُول فِي حيّز الْمُنَاجَاة، فشرع ابْتِدَاء كل فعل من التعظيمات الثَّلَاث بِهِ، لتتنبه النَّفس لثمرة ذَلِك الْفِعْل مستأنفا، وَهُوَ من الهيآت فعله النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرّة، وَتَركه مرّة، وَالْكل سنة، وَأخذ بِكُل وَاحِد جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ. وَمن بعدهمْ، وَهَذَا أحد الْمَوَاضِع الَّتِي اخْتلف فِيهَا الْفَرِيقَانِ أهل الْمَدِينَة والكوفة، وَلكُل وَاحِد أصل أصيل، وَالْحق عِنْدِي فِي مثل ذَلِك أَن الْكل سنة وَنَظِيره الْوتر بِرَكْعَة وَاحِدَة أَو بِثَلَاث وَالَّذِي يرفع أحب إِلَيّ مِمَّن لَا يرفع، فَإِن أَحَادِيث الرّفْع أَكثر وَأثبت غير أَن لَا يَنْبَغِي لإِنْسَان فِي مثل هَذِه الصُّور أَن يثير على نَفسه فتْنَة عوام بَلَده، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْلَا حدثان قَوْمك بالْكفْر لنقضت الْكَعْبَة " وَلَا يبعد أَن يكون ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ظن أَن السبة المتقررة آخرا هُوَ تَركه، لما تلقن من أَن مبْنى الصَّلَاة على سُكُون الْأَطْرَاف وَلم يظْهر لَهُ

الصفحة 16