كتاب حجة الله البالغة (اسم الجزء: 2)

وَقد صلاهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وُجُوه، وَالْكل سنة، وَالْأَصْل أَن صَلَاة اللَّيْل هُوَ الْوتر، وَهُوَ معنى قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن الله أمدكم بِصَلَاة هِيَ الْوتر، فصلوها مَا بَين الْعشَاء وَالْفَجْر " وَإِنَّمَا شرعها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترا لِأَن الْوتر عدد مبارك، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن الله وتر يحب الْوتر فأوتروا يَا أهل الْقُرْآن " لَكِن لما رأى النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن الْقيام لصَلَاة اللَّيْل جهد لَا يطيقه إِلَّا من وفْق لَهُ
لم يشرعه تشريعا عَاما، وَرخّص فِي تَقْدِيم الْوتر أول اللَّيْل، وَرغب فِي تَأْخِيره، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من خَافَ أَلا يقوم من آخر اللَّيْل فليوتر أَوله، وَمن طمع أَن يُوتر آخِره فليوتر آخِره، فَإِن صَلَاة اللَّيْل مَشْهُودَة، وَذَلِكَ أفضل "، وَالْحق أَن الْوتر سنة هُوَ أوكد السّنَن بَينه عَليّ وَابْن عمر. وَعبادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنْهُم.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَن الله أمدكم بِصَلَاة هِيَ خيرا لكم من حمر النعم ".
أَقُول: هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الله تَعَالَى لم يفْرض عَلَيْهِم إِلَّا مِقْدَارًا يَتَأَتَّى مِنْهُم، فَفرض عَلَيْهِم أَولا إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، ثمَّ أكملها بباقي الرَّكْعَات فِي الْحَضَر، ثمَّ أمدها بالوتر للمحسنين لعلمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن المستعدين للإحسان يَحْتَاجُونَ إِلَى مِقْدَار زَائِد، فَجعل الزِّيَادَة بِقدر الأَصْل إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، وَهُوَ قَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ للأعرابي: لَيْسَ لَك ولأصحابك.
وَمن أذكار الْوتر كَلِمَات علمهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا، فَكَانَ يَقُولهَا فِي قنوت الْوتر: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت، وَعَافنِي فِيمَن عافيت، وتولني فِيمَن توليت، وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت، وقني شَرّ مَا قضيت، فَإنَّك تقضي، وَلَا يقْضى عَلَيْك، إِنَّه لَا يذل من واليت، وَلَا يعز من عاديت، تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت.
وَمِنْهَا أَن يَقُول فِي آخِره: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وَأَعُوذ بمعافاتك من عُقُوبَتك، وَأَعُوذ بك مِنْك لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك، أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك.
وَمِنْهَا أَن يَقُول إِذا سلم: سُبْحَانَ الْملك القدوس ثَلَاث مَرَّات يرفع صَوته فِي الثَّالِثَة، وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا صلاهَا ثَلَاثًا يقْرَأ فِي الأولى:
{سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى}
وَفِي الثَّانِيَة:
{قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ}
وَفِي الثَّالِثَة:
{قل هُوَ الله أحد} والمعوذتين.

الصفحة 28