كتاب حجة الله البالغة (اسم الجزء: 2)

وَأما ذكر الله فَلَا بُد من توقيته أَيْضا، فَإِن التَّوْقِيت أجمع لشملهم. أُطوع لقُلُوبِهِمْ. وَأبْعد من أَن يذهب كل أحد إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيه حسنا كَانَ أَو قبيحا، وَإِنَّمَا تفوض إِلَيْهِم الْأَدْعِيَة النَّافِلَة الَّتِي يُخَاطب بِمِثْلِهَا السَّابِقُونَ على أَنهم أَيْضا لم يَتْرُكهَا النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْر تَوْقِيت وَلَو استجبابا
وَإِذا تعين التَّوْقِيت فَلَا أَحَق من الْفَاتِحَة لِأَنَّهَا دُعَاء جَامع أنزلهُ الله تَعَالَى على أَلْسِنَة عباده، يعلمهُمْ كَيفَ يحْمَدُونَ الله، ويثنون عَلَيْهِ، ويقرون لَهُ بتوحيد الْعِبَادَة والاستعانة، وَكَيف يسألونه الطَّرِيقَة الجامعة لأنواع الْخَيْر، ويتعوذون بِهِ من طَريقَة المغضوب عَلَيْهِم والضالين، وَأحسن الدُّعَاء أجمعه.
وَلما كَانَ تَعْظِيم الْقرَان وتلاوته وَاجِبا فِي الْملَّة، وَلَا شَيْء من التَّعْظِيم مثل أَن يُنَوّه بِهِ فِي أعظم أركا 00 ن الْإِسْلَام وَأم القربات وَأشهر شَعَائِر الدّين، وَكَانَت تِلَاوَته قربَة كَامِلَة تكمل الصَّلَاة وتتمها - شرع لَهُم قِرَاءَة سُورَة من الْقُرْآن لِأَن السُّورَة كَلَام تَامّ تحدى بِهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ببلاغته المنكرين للنبوة، ولانها منفرزة بمبدئها ومنتهاها، وَلكُل وَاحِد مِنْهَا أسلوب أنيق وَإِذا قد ورد من الشَّارِع قِرَاءَة بعض السُّورَة فِي بعض الأحيان جعلُوا فِي مَعْنَاهَا ثَلَاث آيَات قصار أَو آيَة طَوِيلَة.
وَلما كَانَ الْقيام لَا تستوي أَفْرَاده، فَمنهمْ من يقوم مطرقا، وَمِنْهُم من يقوم منحنيا، ويعد جَمِيع ذَلِك من الْقيام - مست الْحَاجة إِلَى تَمْيِيز الانحناء الْمَقْصُود مِمَّا يُسمى قيَاما، فضبط بِالرُّكُوعِ، وَهُوَ الانحناء المفرط الَّذِي تصل بِهِ رُءُوس الْأَصَابِع إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ.
وَلما لم يكن الرُّكُوع، وَلَا السُّجُود تَعْظِيمًا إِلَّا بِأَن يلبث على تِلْكَ الْهَيْئَة زَمَانا، ويخضع لرب الْعَالمين، ويستشعر التَّعْظِيم قلبه فِي تِلْكَ الْحَالة - جعل ذَلِك ركنا لَازِما.
وَلما كَانَ السُّجُود والاستلقاء على الْبَطن وَسَائِر الهيآت الْقَرِيبَة مِنْهُ - مُشْتَركَة فِي وضع الرَّأْس على الأَرْض وَالْأول تَعْظِيم دون الْبَاقِي مست الْحَاجة إِلَى أَن يضْبط الْفَارِق بَينهمَا، فَقَالَ: " أمرت أَن اسجد على سَبْعَة أراب " الحَدِيث
وَلما كَانَ كل من يهوي إِلَى السُّجُود لَا بُد لَهُ من الانحناء حَتَّى يصل إِلَيْهِ. وَلَيْسَ ذَلِك رُكُوعًا بل هُوَ طَرِيق إِلَى السَّجْدَة - مست الْحَاجة إِلَى التَّفْرِيق بَين الرُّكُوع وَالسُّجُود بِفعل أَجْنَبِي يتَمَيَّز بِهِ كل من الآخر، ليَكُون كل وَاحِد طَاعَة مُسْتَقلَّة يقصدها مستأنفا، فَتنبه النَّفس لثمرة كل وَاحِد بانفرادها - وَهُوَ القومة -.

الصفحة 9