كتاب الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 2)

يجتهد كأبي القاسم الداركي الشافعي1 وابن ميسر2 والطحاوي3 كما تراه في تراجمهم، بل كان في عوام تلك القرون من ينتقد ويستدل قال الشعراني في "الميزان": إن مغنيا كان عند الخليفة العباسي، فدخل بعض أهل العلم، وأنكر ذلك، فقال: إن مالكا يمنع سماع الغناء، فقال المغني: ما تعبدنا الله بقول مالك، ولا أوجب علينا تقلده، فهات دليلا من الكتاب أو السنة، فالله يقول: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} 4 فانقطع العالم، ولم ينكر عليه الخليفة، قال الشعراني: فهذا دليل ما كان لهم من التعلق بكتاب الله وسنه بينه -صلى الله عليه وسلم- وإبائتهم التقليد حتى في المغنين. ا. هـ.
وذكر في "المدارك" في ترجمة 204 محمد بن عبد الله بن يحيى المعروف
__________
1 هو عبد العزيز بن عبد الله الداركي من القرن الرابع انتهى التدريس إليه ببغداد، قال الخطيب البغدادي في "تاريخه": وسمعت عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني يقول: كان عبد العزيز الداركي إذا جاءته مسألة يستفتى فيها، تفكر طويلا، ثم أفتى فيها، وربما كانت فتواه خلاف مذهب الشافعي وأبي حنيفة، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم حدث فلان عن فلان، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكذا وكذا، والأخذ بالحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولى من الأخذ بقول الشافعي وأبي حنيفة إذا خالفاه. "تهذيب الأسماء واللغات" ص"263، 264".
2 هو أحمد بن ميسر بن محمد بن إسماعيل القرطبي، قال ابن فرحون في "الديباج المذهب" "ص34": كان يميل إلى النظر والحجة، وربما أفتى بمذهب مالك، وكان إذا استفتي ربما يقول: أما مذهب بلدنا فكذا، وأما الذي أراه فكذا. توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
3 هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي المحدث الفقيه كان يقتدي بأبي حنيفة في التفقه، ويرى منهجه أمثل المناهج إلا أنه لم يمنعه ذلك من مخالفته وترجيح ما ذهب إليه غيره من الأئمة قال ابن زولاق: سمعت أبا الحسن علي بن أبي جعفر الطحاوي يقول: سمعت أبي يقول وذكر فضل أبي عبيد حربويه وفقهه، فقال: كان يذاكرني في المسائل، فأجبته يوم في مسألة، فقال لي: ما هذا قول أبي حنيفة، فقلت له: أيها القاضي أوكل ما قاله أبو حنيفة أقول به! قال: ما ظننتك إلا مقلدا، فقلت له: وهو يقلد إلا عصبي، فقال لي: أو غبي، قال فطارت هذه بمصر حتى صارت مثلا، وحفظه الناس. توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، ترجمته في "الفوائد البهية" ص"31، 32" و"الحاوي في سيرة الطحاوي" للكوثري.
4 سورة الزمر الآية: 55.

الصفحة 10