كتاب الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 2)

الإسماعيلية يقسم المواريث، يعقد الأنكحة وغيرها، كذلك جعلوا مرتبات لمن يدسه وينشره قصدا لنشر الدعوة، وقد أضافوا إلى ذلك عمل داعي الدعاة وأعوانه ليجذبوا الجمهور إلى التمذهب بمذهب الإسماعيلية ضد مذهب مالك الذي عليه بنو أمية وأبي حنيفة والشافعي الذي كان عليه بنو العباس: وكان عملهم كله هباء؛ لأن هذه المذاهب حلت من قلب الجمهور في سويدائه، كان محمود بن سبكتكي1 ونظام الملك2 في العراقيين على مذهب الشافعي، ينشرانه، ويتعصبان له، وعلماء الأندلس بل وعلماء القيروان وأفريقيا مع كونهم تحت قهر الشيعة ينشرون مذهب مالك وعلماء هذه المذاهب دائبون على نشرها لم تؤثر عليهم تلك العوامل سوى التفرقة والنفرة والبغضاء، وأصبح بنو أمية وبنو العباس يطعنون في نسب الفاطميين، ويحكمون بابتداعهم، بل بكفرهم وتوجيه الدعاة ونشر الدعوة موجب لقطع الصلاة، موجب لتفرق آراء العلماء وتدابرهم، وكل ذلك مؤثر على الفقه تأثيرا عظيما، ومن التعصب السياسي نشأ التعصب المذهبي، وبه تأيد وتأبد.
__________
1 الغزنوي فاتح الهند، وأحد كبار القادة امتدت سلطته من أقاصي الهند إلى نيسابور، وكانت عاصمتهم غزنة، كان حازما، صائب الرأي، يجالس العلماء ويناقشهم وله التصانيف في الفقه والحديث والخطب والرسائل وله شعر جيد، ومن تصانيفه كتاب "التفريد" على مذهب أبي حنيفة مشهور في بلاد غزنة وهو في غاية الجودة وكثرة المسائل.. مات سنة إحدى وعشرين وأربعمائة فيما ذكره الذهبي في وفاته "الجواهر المضية" 2/ 157.
2 هو الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي من جلة الوزراء، كان مجلسه عامرا بالقراء والفقهاء أنشأ المدارس بالأمصار ورغب في العلم، وسمع الحديث وأسمعه توفي سنة 485هـ ترجمته في "وفيات الأعيان" 2/ 128، 131، وطبقات الشافعية 3/ 135، 145.
حدوث مادة الكاغد وتأثيره على الفقه:
اعلم أنه زمن الدولة العباسية اخترع الفضل بن يحيى البرمكي أوراق الكاغد أو الكاغيط، وكان استعماله في الرسائل الرسمية أيام الخليفة المأمون العباسي، وفي أيامه كتبت فيه الكتب، وكان من أعظم التسهيلات لنشر العلم وتدوينه، ولذلك كانت المائة الثالثة زمن ظهور الدواوين الكبار في الإسلام ذات

الصفحة 16