كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 2)

صفحة رقم 14
إبليس في صورة رجل شيخ كبير ، فجلس معهم ، فقالوا : ما أدخلك في جماعتنا بغير
إذننا ، قال : إنما أنا رجل من أهل نجد ، ولست من أهل تهامة ، قدمت مكة فرأيتكم حسنة
وجوهكم ، طيبة ريحكم ، نقية ثيابكم ، فأحببت أن أسمع من حديثكم ، وأستر عليكم ، فإن
كرهتم مجلسي خرجت من عندكم ، فقالوا : هذا رجل من أهل نجد ، وليس من أهل
تهامة ، فلا بأس عليكم منه ، فتعملوا بالمكر بمحمد .
فقال أبو البحتري بن هشام ، من بني أسد بن عبد العزى : أما أنا فرأيي أن تأخذوا
محمداً ، فتجعلوه في بيت ، وتسدوا بابه ، وتدعوا له كوة ، يدخل منها طعامه وشرابه حتى
يموت ، قال إبليس : بئس والله الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به
من حولكم ، فتحبسونه فتطعمونه وتسقونه فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم
عليه ، فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم ، فقالوا : صدق والله الشيخ .
فقال هشام بن عمرو ، من بني عامر بن لؤي : أما أنا ، فرأيي أن تحملوا محمداً على
بعير ، فيخرج من أرضكم ، فيذهب حيث شاء ، ويليه غيركم ، قال إبليس : بئس والله
الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم ، واتبعه منكم طائفة ،
فتخرجوه إلى غيركم ، فيفسدهم كما أفسدكم ، فيوشك والله أن يقبل بهم عليكم ويتولى
الصغو الذي له فيكم ، قالوا : صدق والله الشيخ .
فقال أبو جهل بن هشام المخزومي : أما أنا ، فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش ،
فتأخذوا من كل بطن رجلاً ، ثم تعطوا كل رجل منهم سيفاً ، فيضربونه جميعاً بأسيافهم
فلا يدرى قومه من يأخذون به ، وتؤدى قريش ديته ، قال إبليس : صدق والله الشاب ، إن
الأمر لكما قال ، فتفرقوا على قول أبي جهل .
فنزل جبريل ، عليه السلام ، فأخبره بما ائتمر به القوم ، وأمره بالخروج ، فخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم )
من ليلته إلى الغار ، وأنزل الله عز وجل : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ( من قريش
) ليثبتوك ( ، يعنى ليحبسوك في بيت ، يعنى أبا البحتري بن هشام ، ) أو يقتلوك (
يعنى أبا جهل ، ) أو يخرجوك ( من مكة ، يعني به هشام بن عمرو ، ) ويمكرون (
بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) الشر ، ) ويمكر الله ( بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر ، فذلك قوله :

الصفحة 14