كتاب تفسير مقاتل بن سليمان - العلمية (اسم الجزء: 2)

صفحة رقم 141
الصاع إذا حضروا وانقره ثلاث نقرات ، واستمع طنين كل نقرة حتى تسكن ، ثم قل في
النقرة الأولى كذا ، وفي الثانية كذا ، وفي الثالثة كذا ، وأوهمهم أنك إنما تخبرني عن شيء
تفهمه من طنين الصاع ، قال : فأمر بهم فجمعوا ، ثم قال يوسف للذي استخرج الصاع ،
وهو أمينه : أحضر الصاع الذي سرقوه ، وتقدم إليه ألا يكتمنا من أخبارهم شئياً ، فإنه
غضبان عليهم ويوشك أن يصدق عنهم ، قال : فأحضره والقوم ، وقال له الأمين : أيها
الصاع ، إن الملك يأمرك أن تبين له أمر هؤلاء القوم ولا تكتمه شيئاً من أمرهم ، ثم نقره
نقرة شديد ، وأصغى إليه يسمعه ، كأنه يستمع منه شيئاً ، فقال : أيها الملك ، إن الصاع
يقول لك : إنهم أخبروك أنهم لأم واحدة ، وأنهم لأمهات شتى ، وذلك وقع بينهم ما يقع
بين الأولاد العتاة .
قال : قل له لا يكتمنا من أخبارهم شيئاً ، ثم نقره الثانية وأصغى إليه يسمعه ، فلما
سكن ، قال : أيها الملك ، إنهم أخبروك أن لهم أخاً مفقوداً ، ولن تنصرم الأيام والليالي حتى
يأتي ذلك الغلام فيتبين الناس أخبارهم .
قال : مرة ألا يكتمنا من أخبارهم شيئاً ، قال : فطن الثالثة ، فلما سكن قال : أيها الملك
إنه ما دخل على أبيهم غم ولا هم ولا حزن إلا بسببهم وجرائرهم ، قال : أوعز إليه ألا
يكتمنا من أخبارهم شيئاً
قال : فنظر بعضهم إلى بعض ، وخافوا أن يظهر عليهم ما كتموه من أمر يوسف عليه
السلام ، فقاموا إليه بجمعهم يقبلون رأسه وعينيه ، ويقولون : بالذي أشبهك بالنبيين
وفضلك على العالمين ، ألا أقلت العثرة ، وسترت العورة ، وحفظتنا في أبينا يعقوب ، فرق
لهم ، وقال : لولا حفاظي لكم في أبيكم لنكلت بكم ولألحقتكم بالسراق واللصوص ،
أغربوا عني ، فلا حاجة لي فيكم .
قال : فلما قدموا على أبيهم أخبروه بأخبارهم ، قال : فردهم بالبضاعة المزجاة ، وكتب
معهم كتاباً إليه ، فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح
الله ابن إبراهيم خليل الله ، إلى عزيز مصر ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني ما
سرقت ، ولا ولدت سارقاً ، ولكن أهل بيت البلاء موكل بنا ، أما جدي ، فألقى في النار ،
فجعلها الله عليه برداً وسلاماً ، وأما أبي ، فأضجع للذبح ، ففداه الله بذبح عظيم ، وأما أنا ،
فبليت بفقد حبيبي وقرة عيني يوسف .

الصفحة 141