كتاب تفسير القاسمي = محاسن التأويل (اسم الجزء: 2)

الرسالة والقتل والموت، إذ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ فسيخلو كما خلوا أَفَإِنْ ماتَ أي أتؤمنون به في حال حياته فإن مات أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ أي ارتددتم عَلى أَعْقابِكُمْ أي بعد علمكم بخلو الرسل قبله، وبقاء دينهم، متمسكا به وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وإنما يضر نفسه بتعريضها للسخط والعذاب وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ بالنصر والغلبة في الدنيا، والثواب والرضوان في الآخرة، وهم الذين لم ينقلبوا، بل قاموا بطاعته، وقاتلوا على دينه، واتبعوا رسوله حيّا وميتا.
وسمّاهم (شاكرين) لأنهم شكروا نعمة الإسلام الذي هو أجل نعمة وأعز معروف.
والمعنى أن من كان على يقين من دينه، وبصيرة من ربه، لا يرتد بموت الرسول وقتله، ولا يفتر عما كان عليه، لأنه يجاهد لربه لا للرسول، كأصحاب الأنبياء السالفين، كما قال أنس «1» (عم أنس بن مالك، يوم أحد حين أرجف بقتل رسول الله عليه السلام وشاع الخبر، وانهزم المسلمون، وبلغ إليه تقاول بعضهم: ليت فلانا يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان. وقوله المنافقين: لو كان نبيّا ما قتل) : يا قوم! إن كان محمد قد قتل، فإن رب محمد حي لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم قال: اللهم! إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء هؤلاء، ثم شد بسيفه وقاتل حتى قتل- أفاده القاشانيّ-.
روى ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه، فقال له: يا فلان! أشعرت أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل؟ فقال الأنصاريّ: إن كان محمد قد قتل، فقد بلّغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزل وَما مُحَمَّدٌ ... الآية- رواه أبو بكر البيهقيّ في (دلائل النبوة) .
__________
(1)
أخرجه البخاريّ في: الجهاد، 12- باب قول الله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. ونصه: عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر. فقال: يا رسول الله! غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينّ الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون. قال: اللهم! إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء (يعني أصحابه) وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء (يعني المشركين) . ثم قدم فاستقبله سعد بن معاذ. فقال: يا سعد بن معاذ! الجنة ورب النضر! إني أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت، يا رسول الله!، ما صنع. قال أنس:
فوجدنا به بضعا وثمانين، ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم. ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون.
فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه. قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... إلخ.

الصفحة 422