كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 2)

الْمُطَّلِبِ أَخَذَ بِغَرْزِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ مَا يَأْلُو مَا أَسْرَعَ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَخَذْتُ بِلِجَامِهِ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ شَهْبَاءَ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ نَادِ يَا أَصْحَابَ السَّمُرَةِ! قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلا صَيِّتًا فَنَادَيْتُ بِصَوْتِيَ الأَعْلَى أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمُرَةَ؟ فَأَقْبَلُوا كَأَنَّهُمُ الإِبِلُ إِذَا حَنَّتْ إِلَى أَوْلادِهَا: يَا لَبَّيْكَ. يَا لَبَّيْكَ. يَا لَبَّيْكَ! وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ فَالْتَقَوْا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ. وَنَادَتِ الأَنْصَارُ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ! مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ قُصِرَتِ الدَّعْوَى فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَنَادَوْا: يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنَ الْخَزْرَجِ! فَنَظَرَ النَّبِيُّ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ إِلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مِنَ الْحَصَى فَرَمَاهُمْ بِهَا ثُمَّ قَالَ: [انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! قال:] فو الله مَا زَالَ أَمَرُهُمْ مُدْبِرًا وَحَدُّهُمْ كَلِيلا حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُمْ أصابوا يومئذ ستة آلاف من السبي فجاؤوا مُسْلِمَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنْتَ خَيْرُ النَّاسِ وَقَدْ أَخَذْتَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا! فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مَنْ تَرَوْنَ وَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا مِنِّي إِمَّا ذَرَارِيَّكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَإِمَّا أَمْوَالَكُمْ. قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَعْدِلَ بِالأَحْسَابِ شَيْئًا. فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم -
خطيبا فقال: إن هؤلاء قد جاؤوا مُسْلِمَيْنِ وَإِنَّا قَدْ خَيَّرْنَاهُمْ بَيْنَ الذَّرَارِيِّ وَالأَمْوَالِ فَلَمْ يَعْدِلُوا بِالأَحْسَابِ شَيْئًا فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ منهم شيء فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذَلِكَ.
وَمَنْ لا فَلْيُعْطِنَا وَلْيَكُنْ قَرْضًا عَلَيْنَا حَتَّى نُصِيبَ شَيْئًا فَنُعْطِيَهُ مَكَانَهُ. قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا وَسَلَّمْنَا. قَالَ: إِنِّي لا أَدْرِي لَعَلَّ فِيكُمْ مَنْ لا يَرْضَى فَمُرُوا عُرَفَاءَكُمْ يَرْفَعُونَ ذَلِكَ إِلَيْنَا. فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ الْعُرَفَاءُ أَنْ قَدْ رَضُوا وَسَلَّمُوا.
أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هَمَّامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفِهْرِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَسِرْنَا فِي يَوْمٍ قَائِظٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَنَزَلْنَا تَحْتَ ظِلالِ الشَّجَرِ. فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ لَبِسْتُ لأْمَتِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - وهو فِي فُسْطَاطِهِ فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ! حَانَ الرَّوَاحُ؟ فَقَالَ: أَجَلْ. ثُمَّ قَالَ: يَا بِلالُ! فَثَارَ مِنْ تَحْتِ سَمُرَةَ كَأَنَّ ظِلَّهُ ظِلُّ طَائِرٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَأَنَا فِدَاؤُكَ! قَالَ: أَسْرِجْ لِي فَرَسِي. فأخرج سرجا دفتاه مِنْ لِيفٍ لَيْسَ فِيهِمَا أَشَرٌ وَلا بَطَرٌ. قال: فأسرج فركب وركبنا فصافناهم عَشِيَّتَنَا وَلَيْلَتَنَا فَتَشَامَّتِ الْخِيلانُ فَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ كما قال الله. فقال رسول الله. ص: [يَا عِبَادَ اللَّهِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ

الصفحة 118