كتاب الطبقات الكبرى ط العلمية (اسم الجزء: 2)

فلما كان يوم الثَّانِي هَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ! إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلًا لَكَ وَخَاصَّةً لَكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ. يَقُولُ لَكَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟
فَقَالَ: أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا! فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَهَبَطَ مَعَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَنَزَلَ مَعَهُ ملك يقال له إسماعيل يسكن الهواء.
ولم يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاءِ قَطُّ وَلَمْ يَهْبِطِ إِلَى الأَرْضِ مُنْذُ يَوْمَ كَانَتِ الأَرْضُ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفِ مَلَكٍ لَيْسَ مِنْهُمْ مَلَكٌ إِلا عَلَى سَبْعِينَ أَلْفِ مَلَكٍ فَسَبَقَهُمْ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ! إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِكْرَامًا لَكَ وَتَفْضِيلًا لَكَ وَخَاصَّةً لَكَ يَسْأَلُكَ عَمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكَ وَيَقُولُ لَكَ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي يَا جِبْرِيلُ مَكْرُوبًا! ثُمَّ اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا أَحْمَدُ! هَذَا مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ عَلَى آدَمَيٍّ كَانَ قَبْلَكَ وَلا يَسْتَأْذِنُ عَلَى آدَمَيٍّ بَعْدَكَ. قَالَ: ائْذَنْ لَهُ. فَدَخَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا أَحْمَدُ! إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَكَ فِي كُلِّ مَا تَأْمُرُنِي. إِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْبِضَ نَفْسَكَ قَبَضْتُهَا. وَإِنْ أَمَرْتَنِي أَنْ أَتْرُكَهَا تَرَكْتُهَا! قَالَ: وَتَفْعَلُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: بِذَلِكَ أُمِرْتُ أَنْ أُطِيعَكَ فِي كُلِّ مَا أَمَرْتَنِي! فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا أَحْمَدُ! إِنَّ اللَّهَ قَدِ اشْتَاقَ إِلَيْكَ! قَالَ:
فَامْضِ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ لَمَّا أُمِرْتَ بِهِ! قَالَ جِبْرِيلُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا آخِرُ مُوَاطَئِي الأَرْضَ إِنَّمَا كُنْتَ حَاجَتِي مِنَ الدُّنْيَا! فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَالْحِسَّ وَلا يَرَوْنَ الشَّخْصَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ! «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» آل عمران:
185. إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً عَنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ.
فَبِاللَّهِ فَثِقُوا. وَإِيَّاهُ فَارْجُوا. إِنَّمَا المصاب من حرم الثواب. والسلام عليكم وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ] .
[أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ. أَخْبَرَنَا رَجُلٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلانِ مِنْ قُرَيْشٍ فقال: ألا أخبركما عن رسول الله. ص؟ قَالا: بَلَى حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ! قَالَ: لَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ هَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ الأَوَّلِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ عَلِيُّ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: لا! قَالَ: هَذَا الْخِضْرُ.]

الصفحة 199