كتاب شرح ميارة - العلمية (اسم الجزء: 2)

يعني كما يمتنع العقد ممن اجتمع فيه الصمم والعمى والبكم كذلك يمتنع من هؤلاء وهم المجنون والصغير والسكران وقد تقدم أول البيوع من شرط عاقد البيع أن يكون بالغا عاقلا فالمجنون والصغير والسكران هم كمن اجتمع فيه الصمم والبكم والعمى في عدم جواز معاملتهم عند الجمهور لأن هؤلاء الثلاثة وإن وجد منهم في بعض الأحيان الفهم والإفهام فهم لفقد العقل أو عدم كماله كمن لا فهم له ولا إفهام فاستووا معهم في الحكم لقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة فذكر فيهم المجنون حتى يفيق والصغير حتى يحتلم
قال الشارح واشتراط الصحة وجواز الأمر في العقود كلها أشهر من أن يستظهر عليه ومنع فاقد العقل عدم الصحة وجواز الأمر والصغير غير جائز الأمر والسكران إذا فقد عقله بالجملة لاحق بالمجنون ما دام على تلك الحالة ففي المنهج السالك بعد تقسيمه البيوع إلى خمسة أقسام وذكر القسم الأول ما نصه والثاني بيع من لا يجوز بيعه كالصغير والمجنون والمضغوط وأشباههم وفي المفيد ولا يجوز بيع السكران ولا ابتياعه عند مالك ولكن يحلف بالله أنه ما كان يعقل حين بيعه أو ابتياعه ثم لا يلزمه العقد ا هـ
وفي التوضيح في ترجمة الأهل أحد أركان الطلاق في السكران ثلاثة طرق الأولى لابن رشد أن محل الخلاف هو المختلط الذي معه بقية من عقله إلا أنه لا يملك الاختلاط من نفسه فيخطئ ويصيب
قال وأما السكران الذي لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فلا اختلاف أنه كالمجنون في جميع أفعاله وأحواله فيما بينه وبين الناس الثانية عكسها لابن بشير إن كان في حال تمييزه لزمه الطلاق بالاتفاق وإن كان مغمورا فالمشهور اللزوم قال في التوضيح وهذه عكس طريقة ابن رشد الثالثة للخمي أن الخلاف في السكران مطلقا سواء كان معه ميز أم لا
وكذلك حكى ابن رشد عن المازري أنه قال المشهور لزوم طلاقه والشاذ عدم لزومه ولم يفصل قال في التوضيح وتحصيل القول في السكران أن المشهور تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا تلزمه الإقرارات والعقود قال في البيان وهو قول مالك وعامة أصحابه وأظهر الأقوال ا هـ وقد جمع شيخنا ابن عاشر رحمه الله هذا التحصيل في بيت وهو لا يلزم السكران إقرار عقود بل ما جنى عتق طلاق وحدود وقال في التوضيح أول البيوع وإنما لم يصح بيع السكران أو لم يلزمه لأنا لو فتحنا هذا الباب مع شدة حرص الناس على أخذ ما بيده وكثرة وقوع البيع لأدى إلى أن لا يبقى له شيء
بخلاف طلاقه وقتله وغير ذلك مما يتعلق فيه الحق لغيره فإنا لو لم نعتبره لتساكر الناس ليتلفوا أموال الناس وأرواحهم انتهى
____________________

الصفحة 34