كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

بعض المأمومين بعضاً؟ فيه وجهان إذا ثبت أن الإمام لا يأخذ بقول المأموم، فالمأموم هل يتابعه أم لا؟.
نظر إن كان سهو الإمام في ترك فرض بأن قعد وفرضه القيام، أو قام وفرضه القعود لا يجوز أن يتابعه؛ لأنه إنما يلزمه المتابعة في أفعال الصلاة، وما يأتي به ليس من أفعال الصلاة، وإن كان سهوه في ترك سُنَّة مقصودة بأن ترك التشهد الأول، أو القنوت، عليه متابعته؛ لأن متابعته فريضة لا يجوز أن يشتغل عنها بالسُّنَّةِ.
وإن نسي التسليمة الثانية، أو سجود السهو لا يتركه المأموم؛ لأنه يأتي به بعد سقوط المتابعة عنه.
فصلٌ
إذا أخرج المأموم نفسه عن متابعة الإمام فأتم صلاته هل تبطل صلاته؟ فيه قولان:
أحدهما: تبطل لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ به فلا تختلفوا عليه".
والثاني: لا تبطل؛ لما روي عن جابر أن معاذاً كان يصلي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- العشاء، ثم يرجع فيصليها بقومه، فصلى ليلة مع النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم أتى قومه فأمَّهم، فافتتح سورة "البقرة" فتنحَّى رجل من خلفه، فصلى وحده، فقالوا له: نافقت، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنك أخَّرت العشاء، وإن معاذاً صلى معك، ثم رجع فأمَّنا، فافتتح سورة البقرة، فلما رأيت ذلك تأخَّرت وصلّيت، وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا، فأقبل النبي- صلى الله عليه وسلم- على معاذ فقال: "أفتّان أنت يا معاذٌ؟ أفتّانٌ أنت يا معاذ؟ اقرأ بسورة كذا" ولم يأمر الرجل بالإعادة لمفارقته الإمام. واختلفوا في محل القولين.
منهم من قال وهو المذهب: القولان فيما إذا خرج عن متابعة الإمام بغير عذر، فإن نخرج بعذر بأن كان ضعيفاً لا يصبر على طول القراءة، أو عرض له شغل، أو قام الإمام إلى الخامسة، أو ترك سُنّة مقصودة كالتشهد الأول والقنوت لا تبطل صلاته قولاً واحداً لحديث معاذ.
وقيل: القولان فيما إذا خرج لعُذرٍ، فإن خرج لغير عذر تبطل صلاته.
وقيل: في الكل قولان.
وعند أبي حنيفة: تبطل صلاته بكل حال، والحديث حُجّة عليه. والله أعلم بالصواب.

الصفحة 274