كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

صحت صلاته خلفه، وأخذ هذا التقدير من صلاة النبي- صلى الله عليه وسلم- بـ "ذات الرقاع" فإنه تنحى عن العدو بطائفة قدر رمية سهم، بحيث لا يصيبهم سهم العدو، فصلى بهم ركعة، ثم انصرفوا إلى وجه العدو في الصلاة، وهم كانوا في مصافّهم في حكم صلاة الإمام.
وهذا التقدير على طريق التقدير لا التحديد على ظاهر المذهب، حتى لو زاد ذراعٌ، أو ذراعان، أو ثلاثة يجوز، فإن زاد أكثر لم يجز، وهذه المسافة تعتبر من الصف الأخير، حتى لو وقف خلف الإمام صفوف، وبين كل صفين هذا القدر حتى امتد أكثر من فرسخ، والإمام يطيل الركوع والسجود حتى يتهيأ للقوم متابعته جاز.
وإن كان الصحراء بعضه ملكٌ رجل، والبعض ملك آخر، أو بعضه موقوف، فوقف الإمام في ملك هذا، والمأموم في ملك ذاك، أو في الوقف جاز، وإن لم يتصل الصف، وكذلك السطوح المستوية بعضها ملك رجل، والبعض ملك آخر، أو سطوح أبنية مختلفة.
وقيل: يشترط اتصال الصفوف من أحد الملكين بالثاني، وليس بصحيح.
ولو وقف الإمام على صعود في الصحراء، والمأموم في هبوط، أو على عكسه، يجوز إذا لم يكن بينهما أكثر من ثلثمائة ذراع، كما لو وقف بعضهم على دكَّةٍ، والبعض نازلاً عنها، جاز والطريق بين الصفين في الصحراء لا يمنع الاقتداء؛ لأن الصحراء كله طريق.
وإن كان بين الإمام والقوم أو بين الصَّفين نهر إن كان النهر صغيراً، بحيث يمكن الوثوب إلى الجانب الآخر لا يمنع الاقتداء، وإن كان كثيراً بحيث لا يعبر إلا بالقنطرة فعلى وجهين:
أصحهما: وهو المذهب لا يمنع الاقتداء كالسفينتين في البحر وقف الإمام في إحداهما، والمأموم في الأخرى يجوز، وإن كان بينهما ماء.
والثاني: يمنع إلا أن يكون عليه قنطرة، أو كان الماء قليلاً يمكن الوقوف في وسطه؛ لأنه حينئذ لا يمنع الاستطراق.
وإن أقيمت الجماعة في دار ينظر إن جمعت الإمام والمأموم بقعة واحدة من صحن، أو صُفَّة، أو بيت جاز الاقتداء على ثلثمائة ذراع من غير اتصال كالصحراء، وإن كان في الصَّحن دكّة أو سرير، وقف أحدهما عليه، والآخر نازلاً عنه جاز.
وإن اختلف بهما البناء، فلابد من اتصال الصف من أحد البناءين بالثاني، مثل أن كان الإمام في الصحن، وبعض المأمومين في صُفَّة على يمين الإمام، أو على يساره، يشترط أن يقف رجل في الصحن متصلاً بالصُّفَّة، ورجل على طرف الصفة متصلاً بمن في الصحن،

الصفحة 282