كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

والثاني: يجوز؛ لأنه يشاهدهم، كما لو كان معهم.
وإن كانوا في البحر، والإمام في سفينة، والمأموم في أخرى، نظر إن كانتا مكشوفتي الرأس صح الاقتداء، إذا كان بينهما ثلثمائة ذراع كالدِّكَّتين في الصحراء، غير أن المستحب ألا يقتدى به، حتى تكون إحدى السفينتين مشدودة بالأخرى، أو كان الريح رخاءً، بحيث يأمَنُ من تقدم سفينة المأموم، فإن اقتدى به، ثم تقدمت سفينة المأموم بطلت صلاته، إلا أن يرد في الحال كالدَّابَّة التي يصلي النافلة عليها إذا خرجت عن الطريق، وإن كانت السفينتان مسقفتين، يشترط اتصال الصف من إحداهما بالأخرى كالبيتين، والسفينة الكبيرة التي فيها بيوت كالدار، وحكم السُّرادقات في الصحراء حكم السفن المكشوفة في البحر، والخيام كالبيوت.
ولو وقف الإمام في المسجد والمأموم خارج المسجد في فضاء غير مملوك من مواتٍ متصل بالمسجد، وفي حريم المسجد، وهو موضع متصل بالمسجد لمصلحة يطرح فيه الثلج والقمامة، فلا يكون مسجداً تصح صلاة المأموم وإن لم يتصل به الصف من المسجد؛ لأنه كالمسجد في الإباحة، وإنما يجوز بشرطين:
أحدهما: ألا يكون بينه وبين المسجد حائل.
والثاني: أن يقف على ثلثمائة ذراع فأقل وتعتبر ثلثمائة ذراع من آخر خط المسجد على ظاهر المذهب؛ لأن المسجد مبني للصلاة، ولذلك جوَّزنا صلاة المأموم فيه، وإن بعد عن الإمام.
وقال صاحب "التلخيص": يعتبر من آخر صف المسجد، وإن لم يكن في المسجد غير الإمام، وإن كان للمسجد حريم، ووراءه مواتٌ، فوقف المأموم في الموات يجوز على ثلثمائة ذراع، ويعتبر من آخر خطة المسجد على الوجه الأصح.
وقيل: من الحريم.
وقيل: من آخر صف في المسجد. وإن كان الموات والحريم منفرداً عن المسجد بجدار. نظر إن كان للمسجد باب مفتوحٌ ووقف المأموم في مقابلة الباب على ثلثمائة ذراع جاز، ثم لو اتصل، وخرجوا عن محاذاة الباب لا يضر، وإن لم يكن ثمَّ باب، أو كان مردوداً، أو لم يقف أحد في مقابلة الباب لم يصح الاقتداء والدرائز الصغير لا تمنع الاقتداء، والحجَلَةَ الكبيرة التي تمنع الاستطراق تمنع الاقتداء وإن كان يرى الناس في المسجد، وإن كان الفضاء المُتصل بالمسجد مملوكاً فوقف المأموم فيه، أو وقف في طريق متصل بالمسجد، فلا يصح حتى يتصل الصف من المسجد بالفضاء، والطريق؛ لأنه يفارق المسجد بخروجه عن الإباحة.

الصفحة 284